الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ابن نوح

                                                                                                                                                                                                                              نبي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال النووي : هو اسم أعجمي والمشهور صرفه وقيل يجوز صرفه وترك صرفه. انتهى. [ ص: 315 ] وقيل إنه عربي واشتقاقه من ناح ينوح نوحا ونياحة لأنه أقبل على نفسه باللوم والنوح.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف في سبب ذلك فقيل: سببه أنه كان ينوح على قومه ويتأسف لكونهم غرقوا بلا توبة ورجوع إلى الله تعالى. وقيل في اسمه غير ذلك مما لا أصل له. قال جماعة: واسمه عبد الغفار. وهو آدم الثاني لأنه لا عقب لآدم إلا من نوح صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                              وأثنى الله تعالى عليه في عدة آيات. قال ابن قتيبة: وكان نوح نجارا.

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني بسند رجاله ثقات عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بين نوح وآدم عشرة قرون".

                                                                                                                                                                                                                              قال الشعبي رحمه الله تعالى في العرائس: أرسل الله تعالى نوحا إلى ولد قابيل ومن تابعهم من ولد شيث.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: وكان بطنان من ولد آدم أحدهما يسكن السهل والآخر يسكن الجبل، وكان رجال الجبل صباحا وفي النساء دمامة، وكان نساء السهل صباحا وفي الرجال دمامة، فكثرت الفاحشة من أولاد قابيل وكانوا قد أكثروا الفساد، فأرسل الله تعالى نوحا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وهو ابن خمسين سنة، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله تعالى ويحذرهم ويخوفهم فلم ينزجروا، فكان كما حكاه الله تعالى عنه: قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا .

                                                                                                                                                                                                                              ولما طال دعاؤه لهم وإيذاؤهم له وتماديهم في غيهم سأل الله تعالى فأوحى الله تعالى إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلما أخبره الله تعالى بأنه لم يبق في الأصلاب ولا في الأرحام مؤمن دعا عليهم فقال: رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إلى آخرها. فأمره الله تعالى باتخاذ السفينة قال: يا رب وأين الخشب قال: اغرس الشجر. فغرس الساج وأتى على ذلك أربعون سنة فكف عن الدعاء عليهم، وأعقم الله تعالى أرحام نسائهم فلم يولد لهم ولد، فلما أدرك الشجر أمره الله تعالى بقطعه وتجفيفه وصنعه الفلك وعلمه كيف يصنعه، وجعل بابه في جنبه وكان طول السفينة ثمانين ذراعا وعرضها خمسين وسمكها إلى السماء ثلاثين والذراع إلى المنكب. [ ص: 316 ] وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كان طولها ستمائة ذراع فأمره الله تعالى أن يحمل فيها من كل جنس من الحيوان زوجين اثنين وحشرها الله تعالى إليه من البر والبحر.

                                                                                                                                                                                                                              وأول ما حمل في السفينة الدرة وآخره الحمار.

                                                                                                                                                                                                                              قيل كان المؤمنون في السفينة سبعة: نوح وبنوه سام وحام ويافث وأزواج بنيه. وقيل ثمانية. وقيل عشرة. وقيل اثنان وسبعون. وقيل ثمانون من الرجال والنساء.

                                                                                                                                                                                                                              وكان نوح عليه الصلاة والسلام أطول الأنبياء عمرا حتى قيل إنه عاش ألف سنة وثلاثمائة سنة. ولما نزل عليه الوحي كان عمره ثلاثمائة سنة وخمسين سنة. فلبث ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم.

                                                                                                                                                                                                                              قال في "المطلع": ما أسلم من الشياطين إلا شيطانان: شيطان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وشيطان نوح عليه الصلاة والسلام. وقال إبليس لنوح عليه الصلاة والسلام: خذ مني خمسا. فقال: لا أصدقك فأوحى الله تعالى إليه: أن صدقه في الخمس. قال: قل. قال إياك والكبر، فإني إنما وقعت فيه بالكبر. وإياك والحسد فإن قابيل قتل هابيل أخاه حسدا. وإياك والطمع فإن آدم أورثه ما أورثه الطمع. وإياك والحرص فإن حواء وقعت فيما وقعت بالحرص. وإياك وطول الأمل فإنهما وقعا فيما وقعا فيه بطول الأمل.

                                                                                                                                                                                                                              وسماه الله تعالى عبدا شكورا. روى الفريابي وابن جرير والحاكم وصححه عن سلمان رضي الله تعالى عنه قال: كان نوح إذا لبس ثوبا أو طعم طعاما حمد الله تعالى فسمي عبدا شكورا.

                                                                                                                                                                                                                              ومن وصاياه صلى الله عليه وسلم ما رواه النسائي والحاكم والبزار عن رجل من الأنصار من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال نوح لابنه: إني أوصيك بوصية وقاصرها لكي لا تنساها: أوصيك باثنتين وأنهاك عن اثنتين. أما اللتان أوصيك بهما فيستبشر الله بهما وصالح خلقه وهما يكثران الولوج على الله تعالى: أوصيك بلا إله إلا الله فإن السماوات والأرض لو كانت في حلقة قصمتهما ولو كانت في كفة وزنتهما وأوصيك بسبحان الله وبحمده فإنها صلاة الخلق وبها يرزق الخلق وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا وأما اللتان أنهاك عنهما فيحتجب الله منهما وصالح خلقه: أنهاك عن الشرك والكبر".

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية