الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ابن مدركة

                                                                                                                                                                                                                              مدركة: بضم الميم وإسكان الدال المهملة وكسر الراء وفتح الكاف ثم هاء مبالغة. [ ص: 288 ] منقول من اسم فاعل من الإدراك. واسمه عمرو على الصحيح الذي قال به الكلبي والبلاذري وأبو عبيد القاسم بن سلام وابن دريد والمبرد. حتى بالغ الرضي الشاطبي وادعى فيه الإجماع.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن إسحاق: عامر. وضعف.

                                                                                                                                                                                                                              وكنيته أبو هذيل ويقال له أبو خزيمة.

                                                                                                                                                                                                                              والسبب في تلقيبه بذلك أن أباه إلياس خرج هو وبنوه مدركة وعمرو وعامر وعمير، وأمهم ليلى بنت حلوان بن الحاف في نجعة فنفرت إبلهم من أرنب فخرج إليها قال ابن السائب: عمرو. وقال الزبير: عامر فأدركها. وخرج عامر، وقال الزبير: عمرو: فاصطاد الأرنب فطبخها فسمي طابخة، وانقمع عمير فسمي قمعة. وخرجت أمهم ليلى متخندفة، والخندفة: مشي فيه سرعة وتقارب الخطى. والنون زائدة. وعن الخليل أن الخندفة مشية كالهرولة للنساء خاصة دون الرجال. فقال لها إلياس أين تخندفين؟ فسميت خندف.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو محمد عبد الله البطليوسي رحمه الله تعالى: مر عامر بالأرنب فقتلها فقال له أخوه عمرو: وأنا أطبخ صيدك. فطبخه عمرو وأدرك عامر الإبل فردها فحدثا بها أباهما فقال:

                                                                                                                                                                                                                              أدركت يا عامر ما أردنا وأنت ما أدركت قد طبخنا

                                                                                                                                                                                                                              وقال لعمير: وأنت قد أسأت وانقمعنا

                                                                                                                                                                                                                              قيل: ومن ذرية قمعة عمرو بن لحي بن قمعة بن إلياس، وهو الذي غير دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بيان ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              ابن إلياس

                                                                                                                                                                                                                              إلياس بهمزة وصل تفتح في الابتداء وتسقط في غيره، واللام فيه للتعريف وقيل للمح الصفة، مشتق من اليأس الذي هو ضد الرجاء وصححه السهيلي وقال ابن الأنباري: بهمزة قطع في الوصل والابتداء. [ ص: 289 ] واختلف في اشتقاقه فقيل: من قولهم: رجل أليس وهو الشجاع الذي لا يفر. وقال البلاذري : أخبرني الأثرم عن أبي عبيدة قال: يقال للسل والنحافة: اليأس قال الشاعر:

                                                                                                                                                                                                                              هو اليأس أو داء الهيام أصابني     فإياك عني لا يكن بك ما بيا

                                                                                                                                                                                                                              قال: وقد يكون إلياس مشتقا من قولهم: فلان أليس وهو الشديد المقدام الثابت القلب في الحروب. قال العجاج:

                                                                                                                                                                                                                              أليس يمشي قدما إذا اذكر     ما وعد الصابر من خير صبر

                                                                                                                                                                                                                              وقال: الأثرم: حكى خالد بن كلثوم: الأسد أليس. وقال أليس: بين الليس. وجمع أليس ألياس. وقيل غير ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              والمعروف أن إلياس اسمه وحكى بعضهم أن اسمه حبيب وكنيته أبو عمرو.

                                                                                                                                                                                                                              وأمه: قيل من ولد معد بن عدنان وعليه فقيل هي الرباب بنت حيدة بن معد بن عدنان. ذكره الطبري. وقيل هي الحنفاء بنت إياد: بن معد بن عدنان. نقله أبو الربيع عن الزبير وقيل جرهمية. ذكره ابن هشام ولم يسمها.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن الزبير: ولما أدرك إلياس أنكر على بني إسماعيل ما غيروا من سنن آبائهم وسيرهم، وبان فضله عليهم وجمعهم رأيه ورضوا به فردهم إلى سنن آبائهم، ولم تزل العرب تعظمه تعظيم أهل الحكمة، كتعظيمها لقمان وأشباهه.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن دحية رحمه الله تعالى: وهو وصي أبيه. وكان ذا جمال بارع.

                                                                                                                                                                                                                              قال السهيلي : ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تسبوا إلياس فإنه كان مؤمنا" انتهى.

                                                                                                                                                                                                                              وسيأتي لهذا مزيد بيان في ترجمة مضر . وذكر أنه كان يسمع في صلبه تلبية النبي صلى الله عليه وسلم بالحج. وهو أول من أهدى إلى البيت البدن. قال ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما.

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية