الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ابن خنوخ

                                                                                                                                                                                                                              خنوخ بمعجمتين بعد الأولى نون بوزن ثمود. وقيل بزيادة ألف في أوله وسكون المعجمة الأولى. وقيل كذلك لكن بحذف الواو الأولى وقيل كذلك لكن بدل الخاء الأولى هاء وقيل كالثاني لكن بدل المعجمة مهملة. وهو إدريس النبي صلى الله عليه وسلم فيما يزعمون.

                                                                                                                                                                                                                              روى الحاكم في المستدرك بسند واه عن وهب رحمه الله تعالى أنه سئل عن إدريس [ ص: 318 ] فقال: هو جد أبي نوح . وقيل: جد نوح . قال الحافظ : والأول أولى، ولعل الثاني أطلق ذلك مجازا لأن جد الأب جد.

                                                                                                                                                                                                                              وقد نقل بعضهم الإجماع على أنه جد لنوح . قال الحافظ : وفيه نظر، فقد روى عبد بن حميد وابن أبي حاتم بإسناد حسن عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: إلياس هو إدريس ويعقوب هو إسرائيل. وروي نحوه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وسنده ضعيف.

                                                                                                                                                                                                                              ووجه الدلالة أنه إن ثبت أن إلياس إدريس لزم أن يكون من ذرية نوح لا أن نوحا من ذريته، لقوله تعالى في سورة الأنعام: ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان إلى أن قال: وعيسى وإلياس فدل على أن إلياس من ذرية نوح سواء أقلنا إن الضمير في قوله ومن ذريته لنوح أو لإبراهيم لأن إبراهيم كان من ذرية نوح فمن كان من ذرية إبراهيم فهو من ذرية نوح لا محالة.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر ابن إسحاق رحمه الله تعالى في المبتدأ أن إلياس بن فنحاص بن العيزان بن هارون بن عمران عليهما الصلاة والسلام. وقال الحاكم في المستدرك: اختلفوا في نوح وإدريس فقيل: إن إدريس قبله. قال: وأكثر الصحابة على أن نوحا قبل إدريس. كذا قال وقد جرى القاضي أبو بكر بن العربي على أن إدريس لم يكن جد نوح وإنما هو من بني إسرائيل، لأن إلياس قد ورد أنه من بني إسرائيل واستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء للنبي صلى الله عليه وسلم "مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح"

                                                                                                                                                                                                                              ولو كان من أجداده لقال كما قال آدم وإبراهيم: والابن الصالح. وهو استدلال جيد. إلا أنه قد يجاب عنه بأنه قال ذلك على سبيل التواضع والتلطف، وليس نصا فيما زعم. أشار إلى ذلك النووي .

                                                                                                                                                                                                                              وقول ابن إسحاق أن خنوخ هو إدريس فيما يزعمون أشار به إلى أن هذا القول مأخوذ عن أهل الكتاب. وقال المازري: ذكر المؤرخون أن إدريس جد نوح ، فإن قام الدليل على أن إدريس أرسل لم يصح قول النسابين إنه قبل نوح لإخبار النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة: ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض.

                                                                                                                                                                                                                              وإن لم يقم دليل جاء ما قالوا به وصح أن إدريس كان نبيا ولم يرسل.

                                                                                                                                                                                                                              قال السهيلي : وحديث أبي ذر الطويل ينص على أن آدم وإدريس رسولان. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                              والحديث رواه الطبراني والحاكم وابن حبان وصححاه. وفيه أن إدريس كان نبيا رسولا، وأنه أول من خط بالقلم.

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحاكم بسند ضعيف عن سمرة رضي الله تعالى عنه قال: كان إدريس رجلا أبيض طويلا ضخم البطن عريض الصدر قليل شعر الجسد كثير شعر الرأس، وكان [ ص: 319 ] إحدى عينيه أعظم من الأخرى وكان في جسده نقطة بيضاء من غير مرض. قال ابن قتيبة وكان رقيق الصوت.

                                                                                                                                                                                                                              وسمي إدريس لكثرة ما كان يدرس من كتب الله وسنن الإسلام. وهو أول من خاط الثياب ولبسها وكان من قبل يلبسون الجلود. واستجاب له ألف إنسان ممن كان يدعوه. فلما رفعه الله تعالى اختلفوا بعده وأحدثوا الأحداث.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن قتيبة: وهو ابن ثلاثمائة وخمس وستين سنة.

                                                                                                                                                                                                                              وقال في المطلع: إدريس بالسريانية خنوخ. ومعناه كثير العبادة وأما إدريس فاسم أعجمي غير منصرف وقيل مشتق من الدرس والدراسة بمعنى الكتابة. وسمي به لكثرة ما درس من كتب الله عز وجل، فإنه كان يحفظ صحف آدم وصحف شيث على ظهر قلبه، وكانت صحف آدم إحدى وخمسين صحيفة وصحف شيث عشرين صحيفة، وصحفه خاصة ثلاثون، وكان يحفظ الجميع ويدرسه. وكان إدريس أول من خاط وأول من أخبر عن علم الهيئة والحساب وأحكام النجوم بالتأييد السماوي. رفع الله تعالى عنه بدعائه إحساس حرارة الشمس، وعبد الله تعالى حتى تمنت الملائكة صحبته.

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية