الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4724 ص: فلما كانوا قد اختلفوا في ذلك كما ذكرنا، وكلهم قد أجمع أن المكاتب لا يعتق بعقد المكاتبة، وإنما يعتق بحال ثانية، فقال بعضهم: تلك الحال أداء جميع المكاتبة.

                                                وقال بعضهم: هي أداء بعض المكاتبة.

                                                وقال بعضهم: يعتق منه بقدر ما أدى من المكاتبة.

                                                ثبت أن حكم ذلك قد خرج من حكم المعتق على مال; لأن المعتق على مال يعتق بالقول قبل أن يؤدي شيئا، والمكاتب ليس كذلك; لإجماعهم على ما ذكرنا.

                                                [ ص: 126 ] فلما ثبت أن المكاتب لا يستحق العتاق بعقد الكتابة، وإنما يستحق بحالة ثانية، نظرنا في ذلك وفي سائر الأشياء التي لا تجب بالعقود; وإنما تجب في حال آخر بعدها كيف حالها؟

                                                فرأينا الرجل يبيع العبد بألف درهم، فلا يجب للمشتري قبض العبد بنفس العقد حتى يؤدي جميع الثمن، ولا يكون له قبض بعض العبد بأدائه بعض الثمن، وكذلك الأشياء التي هي محبوسة بغيرها مثل: الرهن المحبوس بالدين، وكل قد أجمع أن الراهن لو قضى المرتهن بعض الدين فأراد أن يأخذ الرهن أو بعضه بقدر ما أدى من الدين لم يكن له ذلك إلا بأدائه جميع الدين، فكان هذا حكم الأشياء التي تملك بأشياء إذا وجب احتباسها فإنما تحبس حتى يؤخذ جميع ما جعل بدلا منها.

                                                فلما خرج المكاتب من أن يكون في حكم المعتق على المال الذي يعتق بالعقد لا بحال ثانية، وثبت أنه في حكم من يحبس لأداء شيء - ثبت أن حكمه في المكاتبة وفي احتباس المولى إياه كحكم المبيع في احتباس البائع إياه، فكما كان المشتري غير قادر على أخذه إلا بعد أداء جميع الثمن، كان كذلك المكاتب أيضا غير قادر على أخذ رقبته من ملك المولى إلا بأداء جميع المكاتبة.

                                                فثبت بما ذكرنا قول الذين قالوا: لا يعتق من المكاتب شيء إلا بأداء جميع المكاتبة.

                                                وهو قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي فلما كانت الصحابة وبعدهم التابعون ومن بعدهم من الأئمة قد اختلفوا في حكم المكاتب متى يعتق كما مر ذكره فيما مضى.

                                                قوله: "وكلهم" أي وكل من ذكرنا من هؤلاء قد أجمع أن المكاتب لا يعتق بنفس عقد المكاتبة وإنما يعتق بحالة ثانية، فاختلفوا في هذه الحالة; فقال بعضهم وهم: الزهري والأوزاعي والثوري وسعيد بن المسيب [ ص: 127 ] وقتادة وابن أبي ليلى وابن شبرمة ، وأبو حنيفة وأبو يوسف ، ومحمد ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور، فإنهم قالوا: تلك الحال: أداء جميع المكاتبة، يعني لا يعتق إلا بأداء جميع بدل الكتابة، وهو عبد ما بقي عليه درهم.

                                                وقال بعضهم وهم: شريح ، والنخعي ، والحسن البصري ، وعطاء بن أبي رباح: هي أي تلك الحال، وهي حالة العتق أداء بعض المكاتبة، أي أداء بعض ما وقع عليه الكتابة.

                                                فقال الشعبي وشريح: هي أداء النصف.

                                                وقال النخعي: هي أداء الثلث. وعنه: أداء الربع.

                                                وقال عطاء: هي أداء ثلاثة أرباع المكاتبة.

                                                وقال الحسن: هي أداء الثمن، ورواه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أيضا.

                                                وقال بعضهم وهم عكرمة ، والحكم بن عتيبة والظاهرية: يعتق منه -أي من المكاتب- بقدر ما أدى من المكاتبة.

                                                وروي ذلك أيضا عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.

                                                قوله: "ثبت أن حكم ذلك" جواب "لما" أي حكم عقد الكتابة، وباقي الكلام ظاهر.




                                                الخدمات العلمية