الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5051 5052 ص: وقد بين ذلك سليمان بن بلال في حديثه عن يحيى بن سعيد:

                                                حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ، قال: ثنا سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار: " أن عبد الله بن سهل بن زيد 5 ومحيصة بن مسعود بن زيد الأنصاري من بني حارثة خرجا إلى خيبر في زمن رسول الله -عليه السلام- وهي يومئذ صلح وأهلها يهود، فتفرقا لحاجتهما، فقتل عبد الله بن [ ص: 378 ] سهل فوجد في شربة مقتولا، فدفنه صاحبه، ثم أقبل إلى المدينة، . فمشى أخو المقتول عبد الرحمن بن سهل 5 ومحيصة 5 وحويصة ، فذكروا لرسول الله -عليه السلام- شأن عبد الله بن سهل ، وكيف قتل، فزعم بشير بن يسار ، وهو يحدث عمن أدرك من أصحاب رسول الله -عليه السلام- أنه قال لهم: تحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم قاتلكم أو صاحبكم؟ فقالوا: يا رسول الله ما شهدنا ولا حضرنا، قال: أفتبرئكم يهود بخمسين يمينا؟ فقالوا: يا رسول الله، وكيف نقبل أيمان قوم كفار؟ فزعم بشير أن رسول الله -عليه السلام- عقله من عنده".

                                                فبين لنا هذا الحديث أنها كانت في وقت وجود عبد الله بن سهل فيها قتيلا دار صلح ومهادنة، فانتفى بذلك أن يلزم أبا حنيفة 5 ومحمدا شيء مما احتج به أبو يوسف عليهما من هذا الحديث; لأن فتح خيبر إنما كان بعد ذلك.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وقد بين ما ذكرنا من أمر خيبر يومئذ هل كانت دار صلح أو لا؟ سليمان بن بلال القرشي في حديثه عن يحيى بن سعيد الأنصاري .

                                                أخرجه عن محمد بن خزيمة ، عن عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، شيخ الشيخين وأبي داود ، عن سليمان بن بلال .... إلى آخره.

                                                وهذا إسناد صحيح.

                                                وأخرجه مسلم: نا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، قال: ثنا سليمان بن بلال .... إلى آخره نحوه سواء.

                                                قوله: "في شربة" بفتح الشين المعجمة والراء والباء الموحدة، وهي حوض يكون في أصل النخلة وحولها تملأ ماء لتشربه.

                                                ثم اعلم أن القتيل إذا وجد على الدابة كانت الدية على عاقلة السائق، وكذا القائد والراكب لو اجتمعوا كانت الدية على عاقلتهم، وعند مالك والشافعي [ ص: 379 ] وأحمد: على مالك الدابة لو كان هناك لوث، ولو وجد بين القريتين كانت الدية على أقربهما، وإن وجد في السفينة كانت القسامة على من فيها من السكان والملاحين بالإجماع، ولو وجد في مسجد محلة فعلى أهلها بالإجماع، ولو وجد في الجامع أو الشارع الأعظم فلا قسامة عندنا، وتجب الدية في بيت المال، وعند مالك دمه هدر، وعند الشافعي: الزحام فيها لوث، ولو وجد في وسط الفرات أو النيل فهو هدر كما لو وجد في برية.

                                                وقال زفر: تجب القسامة على أقرب القرى والأراضي حيث وجد كالمحتبس على شاطئ الفرات.

                                                وقال مالك والشافعي وأحمد: في البرية يعتبر اللوث بأن يكون هناك واحد على ثوبه دم.

                                                وقال ابن حزم: وسواء وجد القتيل في دار أعداء كفار أو أعداء مؤمنين أو أصدقاء كفار أو أصدقاء مؤمنين أو في دار أخيه أو أبيه أو حيثما وجد فالقسامة في ذلك.

                                                وهو قول ابن الزبير ومعاوية بحضرة الصحابة - رضي الله عنهم -.

                                                قال: وسواء وجد المقتول في مسجد أو في دار نفسه أو في المسجد الجامع أو في السوق أو في غار أو على دابة واقفة أو سائرة كل ذلك سواء، ومتى ادعى أولياؤه في كل ذلك على أحد فالقسامة في ذلك، كما حكم رسول الله -عليه السلام-.

                                                فإن قيل: بم يستدل في القتيل إذا وجد بين القريتين؟

                                                قلت: بحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.

                                                أخرجه البزار في "مسنده": ثنا محمد بن معمر، قال: ثنا الفضل بن دكين، نا أبو إسرائيل الملائي ، عن عطية ، عن أبي سعيد قال: "وجد قتيل بين قريتين، فأمر النبي -عليه السلام- فذرع ما بينهم، فوجده أقرب إلى إحديهما، فكأني أنظر إلى شبر رسول الله -عليه السلام- يعني: أقرب إلى إحديهما بشبر- فألقاه على أقربهما".

                                                [ ص: 380 ] قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي -عليه السلام- إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وأبو إسرائيل ليس بالقوي في الحديث، وإنما نكتب من حديثه ما لا نحفظه عن غيره.

                                                وأخرجه ابن حزم ثم قال: هذا الحديث هالك; لأنه انفرد به عطية بن سعد العوفي وهو ضعيف جدا، ضعفه هشيم والثوري وابن معين وأحمد بن حنبل، وما ندري أحدا وثقه، وذكر أحمد بن حنبل عنه أنه بلغه عنه أنه كان يأتي إلى الكلبي الكذاب فيأخذ عنه الأحاديث ثم يكنيه بأبي سعيد ويحدث بها عن أبي سعيد، فيوهم الناس أنه الخدري وهذا من تلك الأحاديث -والله أعلم- فهو ساقط.

                                                ثم هو أيضا من رواية أبي إسرائيل الملائي، وهو إسماعيل بن أبي إسحاق، فهو بلية عن بلية.

                                                والملائي هذا ضعيف جدا. وليس في الذرع بين القريتين خبر غير هذا، لا مسند ولا مرسل.

                                                قلت: روي عن يحيى بن معين أنه قال: عطية بن سعد صالح. وقال أبو زرعة: لين. وقال ابن عدي: وقد روى عنه جماعة من الثقات وهو مع ضعفه يكتب حديثه. واحتج به أبو داود والترمذي والنسائي، وهذا البزار قد روى له ولم يتعرض إليه بشيء. والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية