الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5885 ص: وحجة أخرى: أنهم قد أجمعوا أن الأمة الرهن ليس للراهن أن يطأها، وللمرتهن منعه من ذلك، فلما كان المرتهن يمنع الراهن بحق الرهن من وطئها، كان له أيضا أن يمنعه بحق الرهن من استخدامها.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي دليل آخر يدل على عدم استعمال الراهن الرهن بالركوب والوطئ ونحوهما، وهو أن الأخصام كلهم قد أجمعوا على أن الراهن لا يجوز له أن يطأ الأمة المرهونة، وأن للمرتهن أن يمنعه من ذلك، فإذا كان له منعه من ذلك بسبب حق الرهن، كان له أيضا أن يمنعه بسبب حق الرهن من أن يستخدمها.

                                                [ ص: 152 ] ثم اعلم أن الطحاوي أطلق بقوله: "قد أجمعوا...." إلى آخره، ولكن قال بعض أصحاب الشافعي: للراهن وطأ الآيسة والصغيرة; لأنه لا ضرر فيه، فإن علة المنع الخوف من أن تلد منه، فتخرج بذلك من الرهن، وهذا معدوم في حقهما، والجمهور على خلاف ذلك.

                                                ثم إن خالف فوطأ، فلا حد عليه؛ لأنها ملكه، ولا مهر عليه، فإذا ولدت صارت أم ولد له، وخرجت من الرهن، وعليه قيمتها حين أحبلها، ولا فرق بين الموسر والمعسر إلا أن الموسر تؤخذ قيمتها منه، والمعسر تكون في ذمته قيمتها، وهذا قول أصحابنا والشافعي أيضا، وقال مالك: إن كانت الأمة تخرج إلى الراهن وتأتيه خرجت من الرهن، فيؤخذ ولدها وتباع الجارية.

                                                وقال ابن حزم: قال الشافعي: إن رهن أمة فوطأها فحملت، فإن كان موسرا خرجت من الرهن، وكلف رهنا آخر مكانها، فإن كان معسرا، فمرة قال: تخرج من الرهن ولا يكلف رهنا مكانها ولا تكلف هي شيئا.

                                                ومرة قال: تباع إذا وضعت، ولا يباع الولد، ويكلف رهنا آخر.

                                                وقال أبو ثور: هي خارجة من الرهن، ولا يتكلف لا هو ولا هي شيئا، سواء كان موسرا أو معسرا.

                                                وعن قتادة: أنها تباع ويتكلف سيدها أن يفتك ولده منها.

                                                وعن ابن سيرين: أنها استسعيت، وكذلك العبد المرهون إذا أعتق.

                                                وقال مالك: إن كان موسرا كلف أن يأتي بقيمتها، فتكون القيمة رهنا، وتخرج هي من الرهن، وإن كان معسرا فإن كانت تخرج إليه وتأتيه فهي خارجة من الرهن، ولا تتبع بغرامة، ولا يتكلف هو رهنا مكانها، لكن يتبع بالدين الذي عليه، وإن كان تسور عليها، بيعت هي وأعطي هو ولده منها.

                                                وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن حملت وأقر بحملها فإن كان موسرا خرجت من الرهن، وكلف قضاء الدين إن كان حالا، أو كلف رهنا بقيمتها إن كان إلى [ ص: 153 ] أجل، فإن كان معسرا كلفت أن تستسعى في الدين الحال بالغا ما بلغ، ولا ترجع به على سيدها، ولا يتكلف ولدها سعاية، فإن كان الدين إلى أجل كلفت أن تسعى في قيمتها فقط، فجعلت رهنا مكانها، فإذا حل أجل الدين كلفت من قبل أن تستسعى في باقي الدين إن كان أكثر من قيمتها، وإن كان السيد استلحق ولدها بعد وضعها له وهو معسر، قسم الدين على قيمتها يوم ارتهنها، وعلى قيمة ولدها يوم استلحقه، فما أصاب الأم سعت فيه بالغا ما بلغ للمرتهن، ولم ترجع به على سيدها، وما أصاب الولد سعى في الأقل من الدين أو من قيمته، ورجع به على أبيه، ويأخذ المرتهن كل ذلك.




                                                الخدمات العلمية