الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5882 ص: قال أبو جعفر : -رحمه الله-: فذهب قوم إلى أن للراهن أن يركب الرهن بحق نفقته عليه، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بالقوم هؤلاء: إبراهيم النخعي ، والشافعي، وجماعة الظاهرية، فإنهم قالوا: للراهن أن يركب الرهن بحق نفقته عليه، ويشرب لبنه كذلك.

                                                وروي ذلك أيضا عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال البيهقي: قال الشافعي: يشبه قول أبي هريرة: إن من رهن ذات در وظهر لم يمنع الراهن درها وظهرها، لأن له رقبتها.

                                                قال: ومنافع الرهن للراهن وليس للمرتهن منها شيء.

                                                قلت: قول أبي هريرة الذي قاله الشافعي هو ما رواه شعبة ووكيع وابن عيينة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال: "الرهن محلوب ومركوب".

                                                ذكر في كتب الشافعية: أن الراهن يجوز له استيفاء المنافع التي لا تضر بالمرتهن كسكنى الدار، وركوب الدابة، واستكتاب العبد، ولبس الثياب إلا إذا نقص [ ص: 145 ] باللبس، وإكراء الفحل إلا إذا نقصت قيمته; لأن الرهن في ملك الراهن، فلا يمنع التصرف فيه.

                                                وقال ابن حزم في "المحلى": ومنافع الرهن كلها لا تحاشى منها شيئا لصاحبه الراهن له كما كانت قبل الرهن ولا فرق، حاشى ركوب الدابة المرهونة، وحاشى لبن الحيوان المرهون فإنه لصاحب الرهن كما ذكرنا، إلا أن يضيعهما فلا ينفق عليهما، وينفق على كل ذلك المرتهن، فيكون له حينئذ ركوب الدابة، ولبن الحيوان بما أنفق، لا يحاسب به من دينه، كثر ذلك أم قل، وذلك; لأن ملك الراهن باق في الرهن، ولم يخرج عن ملكه، لكن الركوب والاحتلاب خاصة لمن أنفق على المركوب والمحلوب; لحديث أبي هريرة: "الظهر يركب .... إلى آخره".

                                                ثم قال: وصح عن أبي هريرة قوله مثل قولنا، وهو أنه قال: "وصاحب الرهن يركبه، وصاحب الدر يحلبه، وعليهما النفقة" وأنه قال: "الرهن مركوب ومحلوب بعلفه".

                                                ومن طريق حماد بن سلمة ، عن حماد بن أبي سليمان ، عن إبراهيم النخعي: "فيمن ارتهن شاة ذات لبن قال: يشرب المرتهن من لبنها بقدر ثمن علفها، فإن استفضل من اللبن بعد ثمن العلف فهو ربا".

                                                قال علي: هذه الزيادة من إبراهيم لا نقول بها.

                                                وقال الشافعي: جميع منافع الرهن للراهن كما كانت، وقال أبو ثور بذلك، وبقولنا في الركوب والحلب، إلا أنه زاد الاستخدام، ولا نقول بهذا; لأنه لم يأت به نص.

                                                وقال ابن قدامة في "المغني": "أما المحلوب والمركوب فللمرتهن أن ينفق [ ص: 146 ] عليه ويركب ويحلب بقدر نفقته، متحريا للعدل في ذلك في إحدى الروايتين، نص عليه أحمد في رواية [بكر بن محمد] وأحمد بن القاسم، واختاره الخرقي، وهو قول إسحاق، وسواء اتفق مع تعذر النفقة من الراهن لغيبته، أو امتناعه من الإنفاق، أو مع القدرة على أخذ النفقة من الراهن واستئذانه.

                                                والرواية الأخرى: لا يحتسب له بما أنفق وهو متطوع بها، وليس له الانتفاع بالرهن بقدر نفقته.

                                                وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي; لقوله -عليه السلام-: "الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه".

                                                ولأنه ملك غيره لم يأذن له في الانتفاع به، ولا الإنفاق عليه، فلم يكن له ذلك كغير الرهن" .




                                                الخدمات العلمية