الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
885 - وحدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني ، قال : حدثنا خلف [ ص: 1315 ] بن هشام البزار ، قال : حدثنا أبو شهاب الحناط ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن فاطمة بنت قيس ، قالت : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر ، وكان لا يصعد قبل يومئذ إلا يوم جمعة ، - أو كما قالت - ، فاستنكر الناس ذلك ، فبين قائم وجالس فأومأ إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده : " أن اجلسوا ، فإني لم أقم مقامي هذا لأمر ينغصكم لرغبة ولا لرهبة ، ولكن تميم الداري أتاني ، فأخبرني خبرا منعني القيلولة من الفرح وقرة العين ، ألا إن [ ص: 1316 ] بني عم لتميم الداري ركبوا في البحر ، أخذتهم عاصف في البحر ، فألجأتهم إلى جزيرة من جزائر البحر لا يعرفونها ، فقعدوا .

وقال خلف مرة أخرى : فركبوا - في قوارب السفينة ، ثم خرجوا فصعدوا إلى الجزيرة ، فإذا هم بشيء أسود أهدب ، كثير الشعر ، فقالوا لها : ما أنت ؟ قالت : أنا الجساسة ، فقالوا لها : أخبرينا عن الناس ، فقالت : ما أنا بمخبرتكم شيئا ، ولا سائلتكم عنه ، ولكن عليكم بهذا الدير فأتوه ، فإن فيه رجلا بالأشواق إلى أن يخابركم وتخابروه ، فأتوه ، فاستأذنوا عليه ، فدخلوا ، فإذا هم بشيخ موثق شديد الوثاق ، شديد التشكي ، مظهر للحزن ، فقال : من أين نبأتم ؟ فقالوا : من الشام قال : فما فعلت العرب ؟

قالوا : نحن قوم من العرب ، عم تسأل ؟ قال : ما فعل هذا الرجل الذي خرج ؟ فقالوا : خيرا . ناوأه قومه ، فأظهره الله عز وجل عليهم ، فأمرهم جميع ، ودينهم واحد ، ونبيهم واحد ، وإلههم واحد .

[ ص: 1317 ] قال : ذاك خير لهم ، فقال : ما فعلت عين زغر ؟ فقالوا : يشربون منها لشفتهم ، ويسقون منها زروعهم . قال : ما فعلت نخل بين عمان وبيسان ؟ فقالوا : يطعم جناه كل حين . قال : ما فعلت بحيرة الطبرية ؟ فقالوا : يدفق جانباها من كثرة الماء .

قال : فزفر عند ذلك ثلاث زفرات ، ثم قال : إن انفلت من وثاقي هذا : لم أدع أرضا إلا وطيتها برجلي هاتين إلا طيبة ، ليس لي عليها سلطان ، "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلى هذا انتهى فرحي ، هذه طيبة - يعني : المدينة - والذي نفس محمد بيده ما فيها طريق واحد ، ضيق ولا واسع ، سهل ولا جبل إلا وعليه ملك شاهر سيفه إلى يوم القيامة " .


التالي السابق


الخدمات العلمية