الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - فإن دل الدليل على تكرر وتأس ، والقول خاص به ، فلا معارضة في الأمة . وفي حقه ، المتأخر ناسخ .

            فإن جهل - فثالثها المختار : الوقف ; للتحكم .

            فإن كان خاصا بنا - فلا معارضة فيه . وفي الأمة ، المتأخر ناسخ .

            فإن جهل - فثالثها المختار : يعمل بالقول ; لأنه أقوى ; لوضعه لذلك ، ولخصوص الفعل بالمحسوس ، وللخلاف فيه ، ولإبطال القول به جملة . والجمع ، ولو بوجه أولى .

            قالوا : الفعل أقوى ; لأنه يتبين به القول ، مثل " صلوا " و " خذوا عني " وكخطوط الهندسة وغيرها . قلنا : القول أكثر .

            وإن سلم التساوي - فيرجع بما ذكرناه . والوقف ضعيف للتعبد .

            [ ص: 513 ] بخلاف الأول . فإن كان عاما - فالمتأخر ناسخ . فإن جهل - فالثلاثة .

            التالي السابق


            ش - لما فرغ من القسم الأول شرع في القسم الثاني ، وهو الذي دل الدليل على وجوب تكرر الفعل في حقه وعلى وجوب تأسي الأمة [ به ] .

            وإليه أشار بقوله : وإن دل دليل على تكرر وتأس . وحينئذ لا يخلو إما أن يكون القول خاصا به أو خاصا بنا ، أو عاما له ولنا .

            فإن كان خاصا به ، فلا معارضة في حق الأمة ، سواء تقدم القول أو الفعل ; لأن القول لم يتناولهم .

            وفي حق الرسول - عليه السلام - المتأخر ناسخ ، سواء كان قولا أو فعلا ، إلا أن يتقدم على الفعل ، والفعل بعد التمكن من مقتضى القول ، والقول لم يقتض التكرار ، فإنه حينئذ لا معارضة في حقه أيضا .

            وإن كان القول خاصا به وجهل التاريخ فلا معارضة في حق الأمة لعدم تناول القول لهم .

            وفي حقه - عليه السلام - ثلاثة مذاهب : [ ص: 514 ] أحدها أنه يجب العمل بالقول ; لأن الفعل يحتاج على القول في بيان وجه وقوعه .

            الثاني أنه يجب العمل بالفعل ; لأنه أقوى في البيان . وثالثها المختار عند المصنف : الوقف حتى يتبين التاريخ ; لأنه يحتمل تقدم الفعل على القول ، وبالعكس ، ولا ترجيح لتقدم أحدهما على الآخر ، فالجزم لوجوب العمل بأحدهما على التعيين تحكم ، وهو باطل .

            والمصنف أشار إلى المذاهب الثلاثة بقوله : " فثالثها المختار ، الوقف " .

            وإن كان القول خاصا بنا فلا معارضة في حقه - عليه السلام - تقدم القول أو تأخر ; لعدم تناول القول له .

            وفي حق الأمة ، إن علم المتأخر ، فالمتأخر ناسخ ، سواء كان القول متقدما والفعل متأخرا أو بالعكس ، إلا أن يتقدم القول على الفعل ، والفعل بعد التمكن من مقتضى القول ، والقول لم يقتض التكرار ، فإنه حينئذ لا معارضة في حقنا أيضا .

            وإن جهل التاريخ ، ففيه المذاهب الثلاثة . إلا أن المختار عند المصنف ههنا العمل بالقول ، وبينه بوجوه : أحدها : أن القول أقوى دلالة من الفعل ; لأن القول دلالته على الوجوب وغيره بلا واسطة ; لأن القول وضع لذلك . بخلاف الفعل فإنه لم يوضع لذلك .

            [ ص: 515 ] الثاني : أن الفعل مخصوص بالمحسوس ، لأنه لا ينبئ عن المعقول ، والقول يدل على المحسوس والمعقول ، فيكون القول أعم فائدة ، فهو أولى .

            الثالث : أن القول لم يختلف في كونه دالا ، والفعل اختلف فيه ، والمتفق عليه أولى .

            الرابع : أن العمل بالفعل يبطل القول بالكلية ، أما في حقه - عليه السلام - فلعدم تناول القول له ، وأما في حق الأمة فلوجوب العمل بالفعل حينئذ والعمل بالقول لا يبطل الفعل بالكلية ; لأنه يبقي العمل بالفعل بالنسبة إلى الرسول ، - عليه السلام - ، فلو عملنا بالقول أمكن الجمع بينهما من وجه ، ولو عملنا بالفعل لم يمكن . والجمع بين الدليلين ، ولو بوجه ، أولى .

            والقائلون بوجوب العمل بالفعل قالوا : الفعل أقوى دلالة من القول ; لأن الفعل يتبين به القول ; لأن مثل قوله : " صلوا كما رأيتموني " و " خذوا عنى مناسككم " يدل على أن فعله في الصلاة ومناسك الحج مبين لقوله : " صلوا " و " خذوا " .

            وكذا خطوط الهندسة تدل على أن الفعل مبين للقول ; فإن بيان دعاوى الهندسة إنما هو بفعل الخطوط والسطوح والدوائر . فيكون الفعل أولى .

            أجاب المصنف أن البيان بالفعل وإن وقع ، لكن البيان بالقول أكثر ، فهو أولى . [ ص: 516 ] وإن سلم تساوي القول والفعل في البيان ، رجح جانب القول بما ذكرنا من الوجوه الأربعة .

            وأما القول بالوقف ههنا فضعيف ; لأنا متعبدون بوجوب العمل بأحدهما ، إما الفعل أو القول ; لأن كلا منهما ، بالنسبة إلينا ، ولا يمكن العمل بهما ، وقد ثبت رجحان القول على الفعل ، فتعين المصير إلى العمل بالقول .

            بخلاف الصورة الأولى التي حكمنا فيها بالوقف . فإنا لسنا متعبدين بواحد منهما ; أنهما بالنسبة إلى الرسول - عليه السلام - . ولا يجب علينا الحكم بوجوب العمل بأحدهما بالنسبة إلى الرسول - عليه السلام - . فالحكم بالوقف فيها أولى .

            وإن كان القول عاما له ولنا ، فإن علم التاريخ وتأخر القول ، فهو ناسخ ; لوجوب تكرار الفعل في حقه ، ولوجوب التأسي في حقنا . وإن تأخر الفعل واشتغل به قبل التمكن من الإتيان بمقتضى القول نسخ الفعل القول عندنا إلا أن يتناول القول له ظاهرا ، فإنه يكون الفعل حينئذ مخصصا للقول .

            وعند المعتزلة لا يتصور هذا الفعل إلا على سبيل المعصية .

            وإن اشتغل بالفعل بعد التمكن من الإتيان ، فإن لم يقتض القول التكرار ، فلا معارضة ، لا في حقه ولا في حقنا .

            وإن اقتضى القول التكرار فالفعل ناسخ للتكرار . والمصنف لم يفصل وحكم بأن المتأخر ناسخ للمتقدم مطلقا .

            [ ص: 517 ] وإن جهل التاريخ فالمذاهب الثلاثة : الوقف ، والعمل بالقول ، والعمل بالفعل . والمختار : الوقف في حقه والعمل بالقول في حق الأمة .




            الخدمات العلمية