الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 15 ] المسألة الثالثة

          مذهب الجمهور أنه لا إجمال في قوله - صلى الله عليه وسلم - رفع عن أمتي الخطأ والنسيان .

          [1] وقال أبو الحسين البصري وأبو عبد الله البصري وغيرهما : إنه مجمل ، مصيرا منهم إلى أن اللفظ بوضعه لغة يقتضي رفع الخطإ والنسيان في نفسه ، وهو محال مع فرض وقوعه فيجل منصب النبي عن نفيه .

          وعند ذلك ، فإما أن يضمر نفي جميع أحكامه أو بعضها ، لا سبيل إلى الأول ، لأن الإضمار على خلاف الأصل ، وإنما يصار إليه لدفع الضرورة اللازمة من تعطيل العمل باللفظ ، فيجب الاقتصار فيه على أقل ما تندفع به الضرورة وهو بعض الأحكام .

          كيف وأنه يمتنع إضمار نفي جميع الأحكام ، لأن من جملتها لزوم الضمان وقضاء العبادة ، وهو غير منفي بالإجماع .

          ثم ذلك الحكم المضمر لا يمكن القول بتعيينه لعدم دلالة اللفظ عليه ، فلم يبق إلا أن يكون غير معين ويلزم منه الإجمال .

          قال النافون للإجمال : وإن تعذر حمل اللفظ على رفع عين الخطأ والنسيان ، فإنما يلزم الإضمار إن لو لم يكن اللفظ ظاهرا بعرف استعمال أهل اللغة في نفي المؤاخذة والعقاب قبل ورود الشرع ، وليس كذلك .

          ولهذا فإن كل من عرف عرف أهل اللغة لا يتشكك ولا يتردد عند سماعه قول السيد لعبده " رفعت عنك الخطأ والنسيان " في أن مراده من ذلك رفع المؤاخذة والعقاب .

          والأصل أن كل ما يتبادر إلى الفهم من اللفظ أن يكون حقيقة فيه ، إما بالوضع الأصلي ، أو العرف الاستعمالي .

          وذلك لا إجمال فيه ولا تردد .

          [ ص: 16 ] فإن قيل : لو كان كما ذكرتموه لارتفع عنه الضمان لكونه من جملة المؤاخذات والعقوبات .

          قلنا : عنه جوابان : الأول : أنا لا نسلم أن الضمان من حيث هو ضمان عقوبة ، ولهذا يجب في مال الصبي والمجنون ، وليسا أهلا للعقوبة ، وكذلك يجب على المضطر في المخمصة إذا أكل مال غيره ، مع أن الأكل واجب عليه حفظا لنفسه ، والواجب لا عقوبة على فعله ، وكذلك يجب الضمان على من رمى إلى صف الكفار فأصاب مسلما ، مع أنه مأمور بالرمي ، وهو مثاب عليه .

          الثاني : وإن سلمنا أنه عقاب ، لكن غايته لزوم تخصيص عموم اللفظ الدال على نفي كل عقاب ، وذلك أسهل من القول بالإجمال .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية