الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 98 ] المسألة السابعة

          اختلفوا في قوله - صلى الله عليه وسلم - : " الأعمال بالنيات " وفي قول القائل : العالم زيد وصديقي زيد ، هل يدل على حصر الأعمال فيما كان منويا ، وعلى حصر العالم والصديق في زيد .

          فذهبت الحنفية والقاضي أبو بكر وجماعة من المتكلمين إلى أنه لا يدل على الحصر ، وذهب الغزالي والهراسي وجماعة من الفقهاء إلى أنه يدل على الحصر .

          والمختار أنه لا يدل لما سبق في المسائل المتقدمة .

          فإن قيل : لو لم يكن ذلك دالا على حصر الأعمال في المنوي ، والعالم والصديق في زيد ، لكان المبتدأ أعم من خبره ، وكان ذلك كذبا كما لو قال : " الحيوان إنسان والإنسان زيد " .

          قلنا : إنما يلزم الكذب أن لو كانت ( الألف واللام ) في الأعمال للعموم فإنها تنزل منزلة قوله : " كل عمل منوي " وهو كاذب كما في قوله : " كل حيوان إنسان " وليس كذلك ! بل هي ظاهرة في البعض فكأنه قال : " بعض الأعمال بالنيات " وذلك صادق غير كاذب .

          وكذلك الحكم في قوله : " العالم زيد " وكذلك قوله : " صديقي زيد " ليس عاما في كل صديق بل كأنه قال : " بعض أصدقائي زيد " حتى إنه لو ثبت أن ( الألف واللام ) إذا دخلت على اسم الجنس تكون عامة ، وكان المتكلم مريدا للتعميم فإنه يكون كاذبا بتقدير ظهور عالم آخر وصديق آخر له ، وكان قوله دالا على الحصر لا محالة .

          [1] وربما قيل في إبطال القول بالحصر : إنه لو كان قوله : " العالم زيد وصديقي زيد " يدل على حصر العالم والصديق في زيد لكان إذا قال : " العالم زيد وعمرو ، وصديقي زيد وعمرو " متناقضا ، وليس كذلك باتفاق أهل اللغة ، وليس بحق فإن للخصم أن يقول إنما يكون ذلك مناقضا بشرط أن يتجرد قوله الأول عما يغيره .

          [ ص: 99 ] وأما إذ عطف عليه قوله " وعمرو " صار الكل كالجملة الواحدة ، وكان قوله العالم زيد مع الانفراد مغايرا في دلالته لقوله " العالم زيد وعمرو " وهذا كما لو قال له : " علي عشرة " ثم بعد حين قال " إلا خمسة " فإنه لا يقبل لما فيه من مناقضة لفظه الأول ولو قال " له علي عشرة إلا خمسة " على الاتصال كان مقبولا لعدم تناقضه ، ولولا اختلاف الدلالة لما اختلف الحال بل كان الواجب أن لا يقبل استثناؤه في الصورتين أو يقبل فيهما ، وهو محال .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية