الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          القسم الثاني : ما لو حدثت واقعة فرفعت إلى النبي - عليه السلام - فحكم عقيبها بحكم فإنه يدل على كون ما حدث علة لذلك الحكم .

          وذلك كما روي أن أعرابيا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له : هلكت وأهلكت ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : ماذا صنعت ؟ فقال : واقعت أهلي في نهار رمضان عامدا ، فقال له - عليه السلام - : اعتق رقبة [1] فإنه يدل على كون الوقاع علة للعتق .

          وذلك لأنا نعلم أن الأعرابي إنما سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن واقعته لبيان حكمها شرعا ، وأن النبي - عليه السلام - إنما ذكر ذلك الحكم في معرض الجواب له ، [ ص: 256 ] لا أنه ذكره ابتداء منه لما فيه من إخلاء السؤال عن الجواب وتأخير البيان عن وقت الحاجة ، وكل ذلك وإن كان ممكنا إلا أنه على خلاف الظاهر ، وإذا كان ذلك جوابا عن سؤاله فالسؤال الذي عنه الجواب يكون ذكره مقدرا في الجواب في كلام المجيب فيصير كأنه قال : واقعت فكفر .

          وقد عرف أن الوصف إذا رتب الحكم عليه في كلام الشارع بفاء التعقيب تحقيقا ، فإنه يكون علة فكذلك إذا كان الحكم مرتبا عليه بفاء التعقيب تقديرا .

          ولهذا كان هذا القسم ملحقا بالقسم الذي قبله ، وإن كان دونه في الظهور والدلالة لكون ( الفاء ) فيه مقدرة ، وفي الأول محققة ، والاحتمال أن يكون قد بدأ به لا عن قصد الجواب ، وذلك كما لو قال العبد لسيده : قد طلعت الشمس أو غربت ، فقال له : اسقني ماء فإنه لا يفهم منه الجواب لسؤاله ولا التعليل ، بل هو أمر له ابتداء بسقي الماء وعدول عن السؤال بالكلية ، إما لذهوله عن السؤال أو لعدم الالتفات إليه لعدم تعلق الغرض به ، غير أن هذا الاحتمال وإن كان منقدحا هاهنا فهو بعيد في حق النبي - عليه السلام - فيما فرض السؤال عنه ; إذ الغالب عدم الذهول ، وأنه إنما قصد الجواب حتى لا يكون مؤخرا للبيان عن وقت الحاجة مع كونه خلاف الظاهر .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية