الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          المسألة الثانية عشرة

          مذهب الجمهور أن الإجماع لا ينسخ به خلافا لبعض المعتزلة وعيسى بن أبان .

          [1] ودليل الامتناع أن المنسوخ به إما أن يكون حكم نص أو إجماع أو قياس .

          الأول : محال لأن الإجماع إما أن يكون مستندا إلى دليل أو ليس مستندا إلى دليل ، فإن لم يكن مستندا إلى دليل فهو خطأ .

          وإن كان مستندا إلى دليل فذلك الدليل إما أن يكون نصا أو قياسا ، لا جائز أن يكون قياسا لما سنبينه بعد ، وإن كان نصا فالناسخ ذلك النص لا الإجماع .

          وإن قيل : إن الإجماع ناسخ فليس إلا بمعنى أنه يدل على الناسخ وإن كان ناسخا لحكم إجماع سابق ، فهو باطل بما سبق في المسألة التي قبلها ، وإن كان ناسخا لحكم قياس فالقياس إما أن يكون صحيحا أو لا يكون صحيحا ، فإن كان صحيحا فإجماع الأمة على خلاف مقتضاه ، إن كان لا لدليل فهو خطأ ، وإن كان لدليل فذلك الدليل إما أن يكون نصا أو قياسا ، فإن كان نصا فالرافع لحكم ذلك القياس هو النص ، وإن كان قياسا ، فإما أن يكون راجحا على القياس الأول أو مرجوحا أو مساويا ، فإن كان راجحا فالأول لا يكون مقتضاه ثابتا ; لأن شرط ثبوت الحكم رجحان مقتضيه ، وكذلك إن كان مساويا ، وإن كان القياس الأول راجحا فالإجماع على القياس الثاني خطأ وهو ممتنع .

          [ ص: 162 ] فإن قيل : ما ذكرتموه معارض بالنقل والمعنى .

          أما النقل : فهو أن ابن عباس حين قال لعثمان : كيف تحجب الأم عن الثلث بالأخوين والله تعالى يقول : ( فإن كان له إخوة فلأمه السدس ) والأخوان ليسا بإخوة ؟ قال عثمان : حجبها قومك يا غلام . [2] وذلك دليل النسخ بالإجماع .

          وأما المعنى فهو أن الإجماع دليل من أدلة الشرع القطعية فجاز النسخ به كالقرآن والسنة المتواترة .

          قلنا : أما قصة ابن عباس مع عثمان إنما يصح الاستدلال بها أن لو كان حكم الأم مع الأخوين منسوخا وليس كذلك ، إلا أن يكون الأخوان ليسا بإخوة وليس كذلك على ما سبق بيانه في مسائل العموم .

          وما ذكروه من المعنى فحاصله يرجع إلى إثبات كونه ناسخا بالقياس على النص ، وهو غير مسلم الصحة في مثل هذه المسائل وإن كان صحيحا غير أنه مما يمتنع التمسك به لما بيناه .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية