الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          المسألة الأولى

          اختلف الأصوليون في اشتراط مناسبة الوصف المومأ إليه ، فأثبته قوم ونفاه آخرون كالغزالي وأتباعه .

          حجة من قال باشتراط المناسبة أن الغالب من تصرفات الشارع أن تكون على وفق تصرفات العقلاء وأهل العرف [1] ، ولو قال الواحد من أهل العرف لغيره : ( أكرم الجاهل وأهن العالم ) قضى كل عاقل أنه لم يأمر بإكرام الجاهل لجهله ، ولا أن أمره بإهانة العالم لعلمه ، وأن ذلك لا يصلح للتعليل نظرا إلى أن تصرفات العقلاء لا تتعدى مسالك الحكمة وقضايا العقل .

          وأيضا فإن الاتفاق من الفقهاء واقع على امتناع خلو الأحكام الشرعية عن الحكم إما بطريق الوجوب على رأي المعتزلة ، وإما بحكم الاتفاق على رأي أصحابنا [2] وسواء ظهرت الحكمة أم لم تظهر .

          وما يعلم قطعا أنه لا مناسبة فيه ولا وهم المناسبة يعلم امتناع التعليل به .

          والمختار أن تقول : أما ما كان من القسم السادس الذي فهم التعليل فيه مستندا إلى ذكر الحكم مع الوصف المناسب ، فلا يتصور فهم التعليل فيه دون فهم المناسبة ; لأن عدم المناسبة فيما المناسبة شرط فيه يكون تناقضا ، وأما ما سواه من [ ص: 262 ] الأقسام فلا يمتنع التعليل فيها بما لا مناسبة فيه ، إلا أن تكون العلة بمعنى الباعث ، وأما بمعنى الأمارة والعلامة فلا .

          وعلى هذا فما ذكروه من الحجة على امتناع التعليل بالوصف الطردي إنما يصح أن لو قيل : إن التعليل بالوصف الطردي بمعنى الباعث ، ولا اتجاه لها في التعليل بمعنى الأمارة والعلامة .

          وعلى هذا فلا امتناع في جعل الجهل علامة على الإكرام والعلم علامة على الإهانة ، إذا لم يكن هو الباعث بل الباعث غيره .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية