الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 302 ] الخاتمة

          في أنواع النظر والاجتهاد في مناط الحكم وهو العلة .

          [1] ولما كانت العلة متعلق الحكم ومناطه فالنظر والاجتهاد فيه إما في تحقيق المناط أو تنقيحه أو تخريجه .

          أما تحقيق المناط فهو النظر في معرفة وجود العلة في آحاد الصور بعد معرفتها في نفسها [2] وسواء كانت معروفة بنص أو إجماع أو استنباط .

          أما إذا كانت معروفة بالنص ، فكما في جهة القبلة فإنها مناط وجوب استقبالها وهي معروفة بإيماء النص ، وهو قوله تعالى : ( وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) وكون هذه الجهة هي جهة القبلة في حالة الاشتباه ، فمظنون بالاجتهاد والنظر في الأمارات .

          وأما إذا كانت معلومة بالإجماع فكالعدالة ، فإنها مناط وجوب قبول الشهادة وهي معلومة بالإجماع .

          وأما كون هذا الشخص عدلا فمظنون بالاجتهاد .

          وأما إذا كانت مظنونة بالاستنباط ، فكالشدة المطربة فإنها مناط تحريم الشرب في الخمر [3] فالنظر في معرفتها في النبيذ هو تحقيق المناط ، ولا نعرف خلافا في صحة الاحتجاج بتحقيق المناط إذا كانت العلة فيه معلومة بنص أو إجماع [4] ، وإنما الخلاف فيه فيما إذا كان مدرك معرفتها الاستنباط .

          [ ص: 303 ] وأما تنقيح المناط فهو النظر والاجتهاد في تعيين ما دل النص على كونه علة من غير تعيين بحذف ما لا مدخل له في الاعتبار مما اقترن به من الأوصاف ، كل واحد بطريقة [5] كما علم فيما تقدم مما ذكرناه من التعليل بالوقاع في قصة الأعرابي ، فإنه وإن كان مومى إليه بالنص غير أنه يفتقر في معرفته عينا إلى حذف كل ما اقترن به من الأوصاف عن درجة الاعتبار بالرأي والاجتهاد ، وذلك بأن يبين أن كونه أعرابيا وكونه شخصا معينا ، وأن كون ذلك الزمان وذلك الشهر بخصوصه ، وذلك اليوم بعينه ، وكون الموطوءة زوجة وامرأة معينة لا مدخل له في التأثير ، بما يساعد من الأدلة في ذلك حتى يتعدى إلى كل من وطأ في نهار رمضان عامدا وهو مكلف صائم . وهذا النوع وإن أقر به أكثر منكري القياس فهو دون الأول .

          وأما تخريج المناط فهو النظر والاجتهاد في إثبات علة الحكم الذي دل النص أو الإجماع عليه دون عليته .

          وذلك كالاجتهاد في إثبات كون الشدة المطربة علة لتحريم شرب الخمر ، وكون القتل العمد العدوان علة لوجوب القصاص في المحدد [6] ، وكون الطعم علة ربا الفضل في البر ونحوه حتى يقاس عليه كل ما سواه في علته ، وهذا في الرتبة دون النوعين الأولين ولذلك أنكره أهل الظاهر والشيعة وطائفة من المعتزلة البغداديين .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية