الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 242 ] المسألة السابعة عشرة

          إذا كان الحكم في الأصل نفيا والعلة له وجود مانع أو فوات شرط فقد اختلفوا في اشتراط وجود المقتضي لإثباته .

          والمختار اشتراطه ، وذلك لأن الأحكام إنما شرعت لمصالح الخلق ، فما لا فائدة في إثباته فلا يشرع ، فانتفاؤه يكون لانتفاء فائدته ، وسواء وجدت ثم حكمة تقتضي نفيه أو لم توجد ، وفرق بين انتفاء الحكم لانتفاء فائدته وبين انتفائه لوجود فائدة نافية له ، وإذا كان كذلك فما لم يوجد المقتضي للإثبات كان نفي الحكم للمانع أو لفوات الشرط ممتنعا .

          فإن قيل : لا خفاء بأن وجود المقتضي من قبيل المعارض لوجود المانع وفوات الشرط ، فإذا استقل المانع وفوات الشرط بنفي الحكم مع وجود ما يعارضه ويكسر سورته ، فلأن يستقل بالنفي مع انتفاء المعارض كان أولى .

          [1] وأيضا لو اشترطنا وجود المقتضي فيلزم منه التعارض بينه وبين المانع ، أو فوات الشرط ، والتعارض على خلاف الأصل لما فيه من إهمال أحد الدليلين ، وعند انتفاء المقتضي لو أحلنا نفي الحكم على نفي المقتضى مع تحقق ما يناسب نفي الحكم من المانع أو فوات الشرط ، لزم منه إهمال مناسبة المانع وفوات الشرط مع اقتران نفي الحكم به ، وهو خلاف الأصل .

          قلنا : جواب الإشكال الأول أنه لا يلزم من انتفاء الحكم بالمانع وفوات الشرط مع وجود المقتضي المشترط في إعماله ; لما بيناه انتفاؤه له مع فوات شرط إعماله .

          وجواب الثاني : أنه وإن لزم من وجود المقتضي التعارض بينه وبين المانع أو فوات الشرط ، فهو أهون من نفيه لوجود المانع مع فوات شرط إعماله على ما حققناه .

          [ ص: 243 ] ولهذا كان نفي الحكم بالمانع وفوات الشرط مع وجود المقتضي متفقا عليه بين القائلين بتخصيص العلة ، ومختلفا فيه مع انتفاء المقتضي .

          وبتقدير انتفاء المقتضي فنفي الحكم له دون ما ظهر من المانع ، وفوات الشرط وإن أفضى إلى إلغاء مناسبة المانع وفوات الشرط مع اعتباره إلا أنه أولى من انتفائه للمانع أو فوات الشرط .

          ولهذا وقع الاتفاق من الكل على استقلاله بالنفي عند عدم المعارض ، ووقع الخلاف في استقلال المانع وفوات الشرط بالنفي مع القائلين بامتناع تخصيص العلة ، فكان النفي له أولى .

          [2] ولا يمكن أن يقال بإحالة النفي على نفي المقتضي والمانع معا ; لأنه لا يخلو إما أن يكون كل واحد مستقلا بالنفي ، أو أن المقتضي للنفي الهيئة الاجتماعية منهما ، وهما بمنزلة أجزاء العلة النافية . لا سبيل إلى الأول لما بيناه من امتناع الحكم الواحد في صورة واحدة بعلتين مستقلتين ، ولا سبيل إلى الثاني لأن نفي المقتضي بتقدير انتفاء معارضه مستقل بالنفي إجماعا ، وفيه إخراج المستقل عن الاستقلال وهو ممتنع ، وإذا ثبت أنه لا بد في التعليل بالمانع وفوات الشرط من وجود المقتضي فلا بد من بيانه بطريق تفصيلي يدل على وجوده وعليته بما يساعد من الأدلة . وإن اتفق إن كان الشارع قد نص على نفي الحكم فهو دليل ظاهر على وجود المقتضي ; لأنه لو لم يكن المقتضي موجودا كانت فائدة التنصيص على النفي التأكيد لاستقلال نفي المقتضي بالنفي .

          والأصل أن يحمل كلام الشارع على فائدة التأسيس لكونها أصلا ، وإنما يتم ذلك بالنظر إلى وجود المقتضي .

          فإن قيل : اعتقاد وجود المقتضي حملا للكلام على فائدة التأسيس يلزم منه نفي الحكم مع وجود ما يقتضيه ، وهو خلاف الأصل ، وليس مخالفة محذور مخالفة المقتضي مع كونه خلاف الأصل دفعا لمحذور حمل الكلام على فائدة التأكيد أولى من العكس .

          [ ص: 244 ] قلنا : بل المحذور اللازم من نفي الحكم مع وجود ما يقتضيه مخالفة المقتضي لا غير ، وهو غالب في الشرع ومحذور التأكيد مع كونه نادرا ، فيه مخالفة ما ظهر من مناسبة المانع واعتباره ، مع أن الغالب من حال الشارع اعتبار المناسبات لا إلغاؤها .

          ولا يخفى أن التزام محذور عهد التزامه في الشرع غالبا ، وليس فيه التزام محذور آخر ، أولى من التزام محذور لم يعهد التزامه في الشرع غالبا وفيه التزام محذور آخر .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية