الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          المسألة الثانية

          إذا ورد بعد اللفظ المجمل قول وفعل ، وكل واحد منهما صالح للبيان ، فالبيان بماذا منهما ؟ والحق في ذلك أنه لا يخلو إما أن يتوافقا في البيان أو يختلفا ، فإن توافقا ، فإن علم تقدم أحدهما فهو البيان لحصول المقصود به ، والثاني يكون تأكيدا إلا إذا كان دون الأول في الدلالة ، لاستحالة تأكيد الشيء بما هو دونه في الدلالة .

          وإن جهل ذلك ، فلا يخلو إما أن يكونا متساويين في الدلالة ، أو أحدهما أرجح من الآخر على حسب اختلاف الوقائع والأقوال والأفعال ، فإن كان الأول : فأحدهما هو البيان ، والآخر مؤكد من غير تعيين ، وإن كان الثاني فالأشبه أن المرجوح هو المتقدم لأنا فرضنا تأخر المرجوح ، امتنع أن يكون مؤكدا للراجح ، إذ الشيء لا يؤكد بما هو دونه في الدلالة ، والبيان حاصل دونه ، فكان الإتيان به غير مفيد ، ومنصب الشارع منزه عن الإتيان بما لا يفيد ، ولا كذلك فيما إذا جعلنا المرجوح مقدما ، فإن الإتيان بالراجح بعده يكون مفيدا للتأكيد ، ولا يكون معطلا .

          وأما إن لم يتوافقا في البيان ، كما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه بعد آية الحج قال : " من قرن حجا إلى عمرة فليطف طوافا واحدا ، ويسعى سعيا واحدا " . [1] [ ص: 29 ] وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قرن فطاف طوافين ، وسعى سعيين [2] فلا يخلو : إما أن يعرف تقدم أحدهما أو يجهل ، فإن علم التقدم قال أبو الحسين : المتقدم هو البيان .

          فإن تقدم الفعل كان الطواف الثاني واجبا .

          وإن تقدم القول كان الطواف الثاني غير واجب ، وليس بحق ، بل الحق أن يقال : إن كان القول متقدما فالطواف الثاني غير واجب ، وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - له يجب أن يحمل على كونه مندوبا ، وإلا فلو كان فعله له دليل الوجوب ، كان ناسخا لما دل عليه القول .

          ولا يخفى أن الجمع أولى من التعطيل ، وفعله للطواف الأول يكون تأكيدا للقول ، وإن كان الفعل متقدما ، فهو وإن دل على وجوب الطواف الثاني إلا أن القول بعده يدل على عدم وجوبه ، والقول بإهمال دلالة القول ممتنع ، فلم يبق إلا أن يكون ناسخا لوجوب الطواف الثاني الذي دل عليه الفعل ، أو أن يحمل فعله على بيان وجوب الطواف الثاني في حقه دون أمته ، وأن يحمل قوله على بيان وجوب الأول دون الثاني في حق أمته دونه ، والأشبه إنما هو الثاني دون الأول ، لما فيه من الجمع بين البيانين من غير نسخ ولا تعطيل .

          [3] وأما إن جهل المتقدم منهما ، فالأولى إنما هو تقدير تقدم القول وجعله بيانا لوجهين [ ص: 30 ] الأول : أنه مستقل بنفسه في الدلالة بخلاف الفعل ، فإنه لا يتم كونه بيانا دون اقتران العلم الضروري بقصد النبي - صلى الله عليه وسلم - البيان به أو قول منه يدل على ذلك ، وذلك مما لا ضرورة تدعو إليه .

          [4] الثاني : أنا إذا قدرنا تقدم القول أمكن حمل الفعل بعده على ندبية الطواف الثاني كما تقدم تعريفه .

          ولو قدرنا تقدم الفعل يلزم منه إما إهمال دلالة القول ، أو كونه ناسخا لحكم الفعل ، أو أن يكون الفعل بيانا لوجوب الطواف الثاني في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - دون أمته ، والقول دليل عدم وجوبه في حق أمته دونه ، والإهمال والنسخ على خلاف الأصل ، والافتراق بين النبي - صلى الله عليه وسلم - والأمة في وجوب الطواف الثاني مرجوح بالنظر إلى ما ذكرناه من التشريك ، لكون التشريك هو الغالب دون الافتراق .

          [5]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية