الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 254 ] المسلك الثالث : ما يدل على العلية بالتنبيه والإيماء .

          وذلك بأن يكون التعليل لازما من مدلول اللفظ وضعا لا أن يكون اللفظ دالا بوضعه على التعليل ، وهو ستة أقسام :

          القسم الأول : ترتيب الحكم على الوصف بفاء التعقيب والتسبيب في كلام الله أو رسوله أو الراوي عن الرسول .

          أما في كلام الله فكما في قوله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) ، ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) .

          وأما في كلام رسوله فكقوله - عليه السلام - : " من أحيا أرضا ميتة فهي له " [1] ، وقوله : "

          ملكت نفسك فاختاري

          " .

          [2] وأما في كلام الراوي فكما في قوله : ( سها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة فسجد ) ، ( وزنا ماعز فرجمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) .

          وذلك في جميع هذه الصور يدل على أن ما رتب عليه الحكم ( بالفاء ) يكون علة للحكم لكون ( الفاء ) في اللغة ظاهرة في التعقيب ، ولهذا فإنه لو قيل : " جاء زيد فعمرو " فإن ذلك يدل على مجيء عمرو عقيب مجيء زيد من غير مهلة ، ويلزم من ذلك السببية لأنه لا معنى لكون الوصف سببا إلا ما ثبت الحكم عقيبه ، وليس ذلك قطعا بل ظاهرا [ ص: 255 ] لأن ( الفاء ) في اللغة قد ترد بمعنى ( الواو ) في إرادة الجمع المطلق ، وقد ترد بمعنى ( ثم ) في إرادة التأخير مع المهلة ، كما سبق تعريفه غير أنها ظاهرة في التعقيب بعيدة فيما سواه .

          وهذه الرتب متفاوتة ، فأعلاها ما ورد في كلام الله تعالى ، ثم ما ورد في كلام رسوله ، ثم ما ورد في كلام الراوي .

          وسواء كان فقيها أو لم يكن ، لكنه إن كان فقيها كان الظن بقوله أظهر ، وإذا لم يكن فقيها وإن كان في أدنى الرتب غير أنه مغلب على الظن ; لأنه إذا قال : سها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسجد ، فالظاهر من حاله مع كونه متدينا عالما بكون ( الفاء ) موضوعة للتعقيب ، أنه لو لم يفهم أن السهو سبب للسجود ، وإلا لما رتب السجود على السهو بالفاء لما فيه من التلبيس بنقل ما يفهم منه السببية ، ولا يكون سببا بل ولما كان تعليقه للسجود بالسهو أولى من غيره .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية