الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 252 ] المسلك الثاني : النص الصريح

          وهو أن يذكر دليل من الكتاب أو السنة على التعليل بالوصف بلفظ موضوع له في اللغة من غير احتياج فيه إلى نظر واستدلال ، وهو قسمان :

          الأول : ما صرح فيه بكون الوصف علة أو سببا للحكم الفلاني ، وذلك كما لو قال : العلة كذا أو السبب كذا .

          [1] القسم الثاني : ما ورد فيه حرف من حروف التعليل كاللام ، وكي ، ومن ، وإن ، والباء .

          أما ( اللام ) فكقوله تعالى : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) أي : زوال الشمس ، وكقوله تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ، وكقوله - عليه السلام - : ( كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي لأجل الدافة ) [2] أي القوافل السيارة .

          وذلك يدل على التعليل بالوصف الذي دخلت عليه ( اللام ) لتصريح أهل اللغة بأنها للتعليل .

          وأما ( كي ) فكقوله تعالى : ( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) أي : كي لا تبقى الدولة بين الأغنياء ، بل تنتقل إلى غيرهم .

          وأما ( من ) فكقوله تعالى : ( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل ) .

          وأما ( إن ) فكقوله - عليه السلام - في قتلى أحد : ( زملوهم بكلومهم فإنهم يحشرون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما ، اللون لون الدم والريح ريح المسك ) [3] ، وكقوله - عليه السلام - في حق محرم وقصت به ناقته : " لا تخمروا [ ص: 253 ] رأسه ولا تقربوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " .

          [4] وأما ( الباء ) فكقوله تعالى : ( جزاء بما كانوا يعملون ) .

          فهذه هي الصيغ الصريحة في التعليل وعند ورودها يجب اعتقاد التعليل ، إلا أن يدل الدليل على أنها لم يقصد بها التعليل فتكون مجازا فيما قصد بها ، وذلك في ( اللام ) كما لو قيل : ( لم فعلت كذا ؟ ) فقال : ( لأني قصدت أن أفعل ) وكما في قول القائل : ( أصلي لله ) وقول الشاعر : (

          لدوا للموت وابنوا للخراب

          ) [5] فقصد الفعل لا يصلح أن تكون علة للفعل وغرضا له ، وكذلك ذات الله تعالى لا تصلح أن تكون علة للصلاة ولا الموت علة للولادة ولا الخراب علة للبناء ، بل علة الفعل ما يكون باعثا على الفعل ، وهي الأشياء التي تصلح أن تكون بواعث ، وكما في قوله تعالى : ( يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ) ، ( ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ) ، وليس كل من شاق الله ورسوله يخرب بيته ، فليست المشاقة علة لخراب البيت اللهم إلا أن يحمل لفظ الخراب على استحقاق الخراب ، أو على استحقاق العذاب فإنه يكون معللا بالمشاقة .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية