الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وذكر ابن عائذ ، عن الوليد بن مسلم ، عن عبد الله بن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة نحو ما ذكرنا عن ابن عقبة.

وذكر ابن سعد أنها في شهر ربيع الأول سنة ست من الهجرة، وأن اللقاح عشرون، فأغار عليها عيينة في ليلة الأربعاء في أربعين فارسا، فاستاقوها، وكان أبو ذر فيها، وقتلوا ابن أبي ذر، وجاء الصريخ فنادى: الفزع الفزع، فنودي: يا خيل الله اركبي. وكان أول ما نودي بها.

قلت: قد تقدم عن قتادة من طريق ابن عائذ النداء بـ: يا خيل الله اركبي في وقعة بني [ ص: 129 ] قريظة ، وهي قبل هذه عندهم.

وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج غداة الأربعاء في الحديد مقنعا فوقف، وكان أول من أقبل إليه المقداد بن عمرو، وعليه الدرع والمغفر شاهرا سيفه، فعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء في رمحه، وقال: امض حتى تلحقك الخيل".

وخلف سعد بن عبادة في ثلاثمائة من قومه يحرسون المدينة ، قال: وذهب الصريخ إلى بني عمرو بن عوف، فجاءت الأمداد، فلم تزل الخيل تأتي، والرجال على أقدامهم وعلى الإبل حتى انتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد، فاستنقذوا عشر لقاح، وأفلت القوم بما بقي، وهو عشر، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد صلاة الخوف، وأقام به يوما وليلة يتحسب الخبر، وقسم في كل مائة من أصحابه جزورا ينحرونها، وكانوا خمسمائة، ويقال: سبعمائة، وبعث إليه سعد بن عبادة بأحمال تمر، وبعشر جزائر، فوافت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد.

قال ابن سعد: والثبت عندنا أن سعد بن زيد أمير هذه السرية، ولكن الناس نسبوها للمقداد لقول حسان. غداة فوارس المقداد. قلت: وأوله:


ولسر أولاد اللقيطة أننا سلم غداة فوارس المقداد

قال: فعاتبه سعد، فقال: اضطرني الروي إلى المقداد، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يوم الاثنين وكان قد غاب خمس ليال
.

وفي رواية لابن سعد في هذا الخبر: عن هاشم بن القاسم، عن عكرمة بن عمار، قال: حدثني إياس بن سلمة، عن أبيه قال: خرجت أنا ورباح، غلام النبي صلى الله عليه وسلم، وخرجت بفرس لطلحة بن عبيد الله، كنت أريد أن أنديه مع الإبل، فلما أن كان بغلس، أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل راعيها، وخرج يطردها، وذكر نحو [ ص: 130 ] ما تقدم، وفيه حتى ما خلق الله شيئا من ظهر النبي صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري، ثم لم أزل أرميهم، حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا، وأكثر من ثلاثين بردة، يستخفونها، ولا يلقون من ذلك شيئا إلا جعلت عليه حجارة، وجمعته على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أنه جلاهم عن ماء ذي قرد، ويخلفون فرسين، فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه قوله عليه الصلاة والسلام: "إنهم الآن يقرون بأرض غطفان" قال: فجاء رجل من غطفان، فقال: مروا على فلان الغطفاني، فنحر لهم جزورا، فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة، فتركوها وخرجوا هرابا، فلما أصبحنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة" فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم الراجل والفارس جميعا.

وفي رواية البخاري لهذا الخبر، من طريق سلمة، فقلت: يا نبي الله قد حميت القوم الماء وهم عطاش، فابعث إليهم الساعة، فقال: "يا ابن الأكوع ملكت فأسجح" .

التالي السابق


الخدمات العلمية