الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر أزواجه ، عليه الصلاة والسلام ، وسراريه روى عبد الملك بن محمد النيسابوري بسنده : عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : "ما تزوجت شيئا من نسائي ، ولا زوجت شيئا من بناتي إلا بوحي جاءني به جبريل عن ربي ، عز وجل" .

* فأول من تزوج ، صلى الله عليه وسلم ، خديجة ، وقد تقدم ذكرها .

* ثم سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ، بعد خديجة على الصحيح ، ومن الناس من يقول : تزوج عائشة قبلها ، وأصدق النبي ، صلى الله عليه وسلم ، سودة أربعمائة . وأمها : الشموس بنت قيس بن عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ، بنت أخي سلمى بنت عمرو بن زيد ، أم عبد المطلب ، وكانت قبله عند السكران بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود ، أخي سهل ، وسهيل ، وسليط ، وحاطب ، ولكلهم صحبة ، وهاجر بها السكران إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية ، ثم رجع بها إلى مكة، فمات عنها ، فلما حلت تزوجها ، عليه الصلاة والسلام ، في السنة العاشرة من النبوة ، وقيل : في الثامنة . وماتت بعده في المدينة في آخر خلافة عمر بن الخطاب ، هذا هو المشهور في وفاتها ، وابن سعد يقول عن الواقدي : توفيت سنة أربع وخمسين في خلافة معاوية ، وكانت قد كبرت عنده ، فأراد طلاقها ، فوهبت يومها لعائشة ، فأمسكها ، وقيل : بل طلقها وراجعها ، والصحيح الأول ، قاله الدمياطي .

وقال أبو عمر : أسنت عند النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فهم بطلاقها ، فقالت : لا تطلقني ، وأنت في حل من شأني ، فإنما أريد أن أحشر في أزواجك ، وإني قد وهبت يومي لعائشة ، وإني لا أريد ما تريد النساء ، فأمسكها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، حتى توفي عنها .

ثم عائشة بنت أبي بكر الصديق ، أم عبد الله ، اكتنت بابن أختها عبد الله بن [ ص: 394 ] الزبير بإذن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، لها بذلك ، وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر . وقيل : بنت عمير بن عامر من بني دهمان بن الحارث . كانت تسمى لجبير بن مطعم ، فسلها أبو بكر منهم وزوجها النبي ، صلى الله عليه وسلم . روى أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، رضي الله تعالى عنها ، قالت : تزوجني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وأنا بنت سبع سنين ، وبنى بي وأنا بنت تسع ، وقبض عني وأنا بنت ثماني عشرة . ورويناه من طريق النسائي : عن أبي كريب ، وأحمد بن حرب ، عن أبي معاوية .

وتزوجها ، عليه الصلاة والسلام ، بمكة في شوال سنة عشر من النبوة . فلما هاجر إلى المدينة بعث زيد بن حارثة ، وأبا رافع إلى مكة يأتيان بعياله : سودة ، وأم كلثوم ، وفاطمة ، وأم أيمن ، وابنها أسامة . وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر : أم رومان ، وعائشة ، وأسماء ، فقدموا المدينة ، فأنزلهم في بيت لحارثة بن النعمان ، ورسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، حينئذ يبني مسجده ، فلما فرغ من بنائه بنى بيتا لعائشة ، وبيتا لسودة ، وأعرس بعائشة في شوال على رأس ثمانية أشهر من مهاجره ، صلى الله عليه وسلم ، وقيل : سبعة أشهر ، وقيل : ثمانية عشر . وكان مقامه في بيت أبي أيوب ، إلى أن تحول إلى مساكنه سبعة أشهر ، وقبض عنها وهي بنت ثماني عشرة ، ومكثت عنده تسع سنين وخمسة أشهر ، ولم يتزوج بكرا غيرها ، يقال : إنها أتت من النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بسقط ، ولا يثبت .

وكانت فضائلها جمة ، ومناقبها كثيرة . قال عليه الصلاة والسلام : "فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" . وقيل له : أي النساء أحب إليك ؟ قال : "عائشة" ، قيل : فمن الرجال ؟ قال : "أبوها" .

ونزلت براءتها في القرآن ، وقبض ، عليه الصلاة والسلام ، ورأسه في حجرها ، ودفن في بيتها ، وقال أبو الضحى ، عن مسروق : رأيت مشيخة أصحاب محمد ، صلى الله عليه وسلم ، الأكابر يسألونها عن الفرائض .

وقال عطاء بن أبي رباح : [ ص: 395 ] كانت عائشة أفقه الناس ، وأعلم الناس ، وأحسن الناس رأيا في العامة .

وقال هشام بن عروة ، عن أبيه : ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة .

وقال الزهري : لو جمع علم جميع أزواج النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وعلم جميع النساء ، لكان علم عائشة أفضل . وفيها يقول حسان يمدحها ويعتذر إليها :


حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل     عقيلة أصل من لؤي بن غالب
كرام المساعي مجدهم غير زائل     مهذبة قد طيب الله خيمها
وطهرها من كل غي وباطل     فإن كان ما قد قيل عني قلته
فلا رفعت سوطي إلي أناملي     وكيف وودي ما حييت ونصرتي
لآل رسول الله زين المحافل

توفيت سنة ست ، وقيل : سنة سبع ، وقيل : سنة ثمان وخمسين ، وصلى عليها أبو هريرة ، ودفنت بالبقيع ليلا . ونزل في قبرها القاسم بن محمد ، وابن عمه عبد الله بن عبد الرحمن ، وعبد الله بن أبي عتيق ، وعبد الله ، وعروة ابنا الزبير ، وقد قاربت سبعا وستين سنة ، ومولدها سنة أربع من النبوة .

* ثم حفصة بنت عمر بن الخطاب ، وأمها قدامة بنت مظعون ، وهي شقيقة عبد الله بن عمر ، وأسن منه . مولدها قبل النبوة بخمس سنين ، كانت تحت خنيس بن حذافة السهمي ، فتوفي عنها من جراحات أصابته ببدر ، وقيل : بأحد ، والأول أشهر . فتزوجها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في شعبان ، على رأس ثلاثين شهرا من مهاجره ، صلى الله عليه وسلم ، على القول الأول ، أو بعد أحد على الثاني . وكان عمر قد عرضها على أبي بكر قبل أن يتزوجها ، عليه الصلاة والسلام ، فلم يرجع إليه أبو بكر كلمة ، فغضب من ذلك ، ثم عرضها على عثمان حين ماتت رقية ، فقال : ما أريد أن أتزوج اليوم . فانطلق عمر إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فشكا إليه عثمان ، وأخبره بعرض حفصة عليه . فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : "تتزوج حفصة خيرا من [ ص: 396 ] عثمان ، ويتزوج عثمان خيرا من حفصة" . ثم تزوج ، عليه الصلاة والسلام ، حفصة ، وزوج ابنته أم كلثوم عثمان .

وطلق ، عليه الصلاة والسلام ، حفصة تطليقة ، ثم ارتجعها ، وذلك أن جبريل نزل عليه فقال له : راجع حفصة ، فإنها صوامة قوامة ، وإنها زوجتك في الجنة . ومن حديث عقبة بن عامر ، قال : طلق رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، حفصة ، فبلغ ذلك عمر ، فحثا على رأسه التراب ، وقال : ما يعبأ الله بعمر وابنته بعدها . فنزل جبريل على النبي ، صلى الله عليه وسلم ، من الغد ، وقال : إن الله يأمرك أن تراجع حفصة ، رحمة لعمر . وقد روي من طريق عمار بن ياسر أنه طلقها ثم راجعها رحمة لعمر ، ثم أراد أن يطلقها ثانية ، فقال له جبريل : لا تطلقها ، فإنها صوامة قوامة . . الحديث .

توفيت في شعبان سنة خمس وأربعين بالمدينة، وصلى عليها مروان بن الحكم أمير المدينة ، وحمل سريرها بعض الطريق ، ثم حمله أبو هريرة إلى قبرها ، ونزل في قبرها عبد الله ، وعاصم ابنا عمر ، وعبد الله ، وحمزة بنو عبد الله بن عمر ، وقد بلغت ثلاثا وستين سنة ، وقيل : ماتت سنة إحدى وأربعين ، وأوصت إلى عبد الله أخيها بما أوصى إليها عمر ، وبصدقة تصدقت بها بمال وقفته بالغابة .

* ثم زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان ، كانت تدعى أم المساكين ؛ لرأفتها بهم ، كانت عند الطفيل بن الحارث ، فطلقها ، فتزوجها أخوه عبيدة ، فقتل يوم بدر شهيدا كما سبق ، فخلف عليها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في شهر رمضان ، على رأس أحد وثلاثين شهرا من الهجرة ، ومكثت عنده ثمانية أشهر ، وتوفيت في آخر شهر ربيع الآخر ، على رأس تسعة وثلاثين شهرا من الهجرة ، وصلى عليها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ودفنها بالبقيع ، وقد بلغت ثلاثين سنة أو نحوها .

ولم يمت من أزواجه في حياته إلا هي وخديجة ، وفي ريحانة خلاف ، وقال أبو عمر : كانت قبل النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عند عبد الله بن جحش ، حكاه عن ابن شهاب ، قال : وقتل عنها يوم [ ص: 397 ] أحد ، فتزوجها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، سنة ثلاث ، ولم تلبث عنده إلا يسيرا ، شهرين أو ثلاثة . وحكي عن علي بن عبد العزيز الجرجاني ، أنها كانت أخت ميمونة لأمها ، قال : ولم أر ذلك لغيره .

ولما خطبها ، عليه الصلاة والسلام ، جعلت أمرها إليه ، فتزوجها ، وأشهد وأصدقها اثنتي عشرة أوقية ونشا ، وأرادت أن تعتق جارية لها سوداء ، فقال لها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : "ألا تفدين بها بني أخيك" أو أختك من رعاية الغنم" .

* ثم أم سلمة ، واسمها هند بنت أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وكانت قبله عند أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد ، وهما أول من هاجر إلى أرض الحبشة ، ولدت له برة ، سماها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، زينب ، وسلمة ، وعمر ، ودرة . شهد أبو سلمة بدرا وأحدا ، ورمي بها بسهم في عضده ، فمكث شهرا يداويه ، ثم برأ الجرح ، وبعثه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في هلال المحرم ، على رأس خمسة وثلاثين شهرا ، من مهاجره ، وبعث معه مائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار إلى قطن ، وهو جبل بناحية فيد ، فغاب تسعا وعشرين ليلة ، ثم رجع إلى المدينة ، فانتقض جرحه ، فمات لثمان خلون من جمادى الآخرة سنة أربع ، فاعتدت أم سلمة ، وحلت لعشر بقين من شوال سنة أربع ، فتزوجها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في ليال بقين من شوال المذكور . وأبو عمر يقول : إنها في جمادى الآخرة سنة ثلاث ، وهو لم يتزوجها إلا بعد انقضاء عدتها من أبي سلمة بالوفاة ، وقال لها : "إن شئت سبعت لك وسبعت لنسائي ، وإن شئت ثلثت ودرت" ، فقالت : بل ثلث .

وخطبها ، عليه الصلاة والسلام ، فقالت : إني مسنة ، وذات أيتام ، وشديدة الغيرة ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : "أنا أسن منك ، وعيالك عيال الله ورسوله ، وأدعو الله لك فيذهب [ ص: 398 ] عنك الغيرة" فدعا لها فكان ذلك .

توفيت في خلافة يزيد بن معاوية سنة ستين على الصحيح . وأمها عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن خزيمة بن علقمة بن فراس ، وقد قيل في اسم سلمة : رملة ، وليس بشيء .

* ثم زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة ، وكان اسمها برة ، فسماها زينب . أمها أميمة عمة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وكانت قبله عند زيد بن حارثة ، مولاه ، ثم طلقها ، فلما حلت زوجه الله إياها من السماء سنة أربع ، وقيل : سنة ثلاث ، وقيل : سنة خمس ، وهي يومئذ بنت خمس وثلاثين سنة ، وأولم عليها ، وأطعم المسلمين خبزا ولحما ، وفيها نزل الحجاب ، وهي التي قال الله في حقها : ( فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ) .

ولما تزوجها تكلم في ذلك المنافقون ، وقالوا : حرم محمد نساء الولد وقد تزوج امرأة ابنه ، فأنزل الله ، عز وجل : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ) الآية ، وقال تعالى : ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ) ، فدعي زيد بن حارثة ، وكان يدعى زيد بن محمد .

وكانت تفخر على نسائه ، عليه الصلاة والسلام ، تقول : إن آباءكن أنكحوكن ، وإن الله ، تعالى ، أنكحني إياه من فوق سبع سماوات . وغضب عليها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، لقولها لصفية بنت حيي : تلك اليهودية . فهجرها لذلك ذا الحجة والمحرم وبعض صفر ، ثم أتاها . وكانت كثيرة الصدقة والإيثار ، وهي أول نسائه لحوقا به ، توفيت سنة عشرين أو إحدى وعشرين ، وكانت عائشة تقول : هي التي تساميني في المنزلة عند رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وما رأيت امرأة قط خيرا في الدين من زينب ، وأتقى لله ، وأصدق حديثا ، وأوصل للرحم ، وأعظم صدقة .

وقال ، عليه الصلاة والسلام ، لعمر بن الخطاب في حقها : "إنها لأواهة" . قال رجل : أي رسول الله ، وما الأواه ؟ قال : "الخاشع المتضرع ، و ( إن إبراهيم لحليم أواه منيب ) " .

* ثم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن عائذ بن مالك بن جذيمة ، وهو المصطلق بن سعيد بن كعب بن ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء ، سباها يوم المريسيع في غزوة بني المصطلق ، وقد تقدم ذكرها . وقعت في سهم ثابت بن [ ص: 399 ] قيس بن شماس ، كاتبها على تسع أواقي ، فأدى ، عليه الصلاة والسلام ، عنها كتابتها وتزوجها .

وقال الشعبي : كانت جويرية من ملك اليمن، فأعتقها ، عليه الصلاة والسلام ، وتزوجها ، وقال الحسن : من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، على جويرية وتزوجها . وقيل : جاء أبوها فافتداها ، ثم أنكحها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بعد ذلك . وكان اسمها برة ، فحوله رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وسماها جويرية . وكانت قبل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عند مسافع بن صوفان المصطلقي .

وكانت جميلة ، قالت عائشة : كانت جويرية عليها ملاحة وحلاوة ، لا يكاد يراها أحد إلا وقعت بنفسه . وعندما تزوجها ، عليه الصلاة والسلام ، قال الناس : صهر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فأرسلوا ما بأيديهم من سبايا بني المصطلق . قالت عائشة : فلا نعلم امرأة كانت أكثر بركة على قومها منها .

توفيت بالمدينة في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين ، وصلى عليها مروان بن الحكم ، وهو أمير المدينة ، وقد بلغت سبعين سنة ؛ لأنه تزوجها وهي بنت عشرين سنة . وقيل : توفيت سنة خمسين ، وهي بنت خمس وستين سنة . ولأبيها الحارث بن أبي ضرار صحبة ، وكان قد قدم في فداء ابنته جويرية بأباعر ، فاستحسن منها بعيرين فغيبها بالعقيق في شعب ولم يعترف بهما لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فأخبره النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عنهما . فقال : والله لم يطلع على ذلك أحد . أشهد أنك رسول الله ، وأسلم . ذكره ابن إسحاق ، والواقدي .

* ثم ريحانة : بنت زيد بن عمرو بن خنافة بن شمعون بن زيد ، من بني النضير ، وبعضهم يقول : من بني قريظة ، وكانت متزوجة فيهم رجلا يقال له : الحكم ، وكانت جميلة وسيمة ، وقعت في سبي بني قريظة ، فكانت صفي رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فخيرها بين الإسلام ودينها ، فاختارت الإسلام ، فأعتقها وتزوجها ، وأصدقها اثنتي عشرة أوقية ونشا ، وأعرس بها في المحرم سنة ست ، في بيت سلمى بنت قيس النجارية ، بعد أن حاضت حيضة ، وضرب عليها الحجاب ، فغارت عليه غيرة شديدة ، فطلقها تطليقة ، فأكثرت البكاء ، فدخل عليها وهي على تلك الحال فراجعها . ولم تزل عنده حتى ماتت مرجعه من حجة الوداع سنة عشر . [ ص: 400 ]

وقيل : كانت موطوءة له بملك اليمين ، والأول أثبت عند الواقدي ، وأما أبو عمر فقال : ريحانة سرية النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لم يزد على ذلك ، ووالدها شمعون ، يأتي ذكره في موالي النبي ، صلى الله عليه وسلم .

* ثم أم حبيبة : رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموية ، أمها صفية بنت أبي العاص بن أمية ، عمة عثمان بن عفان ، هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية ، فولدت له حبيبة ، وبها كانت تكنى ، وتنصر عبيد الله هناك ، وثبتت هي على الإسلام ، وبعث رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ، فزوجه إياها ، والذي عقد عليها خالد بن سعيد بن العاص ، وأصدقها النجاشي عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أربعمائة دينار ، على خلاف محكي في الصداق ، والعاقد من كان . وبعثها مع شرحبيل بن حسنة ، وجهزها من عنده ، كل ذلك في سنة سبع .

وقد قيل في اسمها هند ، وزوجها من النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عثمان بن عفان ، وكان الصداق مائتي دينار ، وقيل : أربعة آلاف درهم . وقيل : قد عقد عليها النجاشي ، وكان قد أسلم . وقيل : إنما تزوجها ، عليه الصلاة والسلام ، بالمدينة مرجعها من الحبشة ، والأول أثبت في ذلك كله .

وكان أبو سفيان في حرب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقيل له : إن محمدا قد نكح ابنتك ، فقال : هو الفحل لا يقدع أنفه . وكان أبو عبيدة يقول : تزوجها ، عليه الصلاة والسلام ، سنة ست ، وليس بشيء .

وقد وقع في الصحيح قول أبي سفيان يوم الفتح للنبي ، صلى الله عليه وسلم : أسألك ثلاثا ، فذكر منهن : أن تتزوج يا رسول الله أم حبيبة - يعني ابنته - فأجابه ، عليه الصلاة والسلام ، لما سأل . وهذا مخالف لما اتفق عليه أرباب السير والعلم بالخبر . وقد أجاب عنه الحافظ المنذري جوابا يتساوك هزالا ، فقال : يكون أبو سفيان ظن أن بما حصل له من الإسلام تجددت له عليها الولاية ، فأراد تجديد العقد يوم ذلك لا غير . [ ص: 401 ]

توفيت أم حبيبة سنة أربع وأربعين ، وبعد موتها استلحق معاوية ، زيادا ، وقيل : قبله ، والأول أشبه ، تحرجا من دخوله عليها ، وكان الذي جسره على استلحاقه إياه الأبيات التي لأبي سفيان يخاطب بها عليا :


أما والله لولا خوف واش     يراني يا علي من الأعادي
لأظهر أمره صخر بن حرب     ولم يكن المقالة عن زياد
فقد طالت مجاملتي ثقيفا     وتركي فيهم ثمر الفؤاد

* ثم صفية بنت حيي بن أخطب بن سعية بن ثعلبة بن عبيد بن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب بن النضير بن النحام بن ينحوم ، من بني إسرائيل ، من سبط هارون بن عمران ، عليه الصلاة والسلام . كان أبوها سيد بني النضير فقتل مع بني قريظة . وأمها برة بنت شموال ، أخت رفاعة بن شموال القرظي ، وكانت عند سلام بن مشكم ، ثم خلف عليها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق الشاعر النضري ، فقتل عنها يوم خيبر ، ولم تلد لأحد منهما شيئا ، فاصطفاها النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لنفسه ، فأعتقها ، وتزوجها ، وجعل عتقها صداقها . وبعض العلماء يعد ذلك من خصائصه ، عليه الصلاة والسلام ، وكانت جميلة لم تبلغ سبع عشرة سنة .

روى حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، اشترى صفية بنت حيي بسبعة أرؤس . وخالفه عبد العزيز بن صهيب وغيره ، عن أنس ، فقالوا : إن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، لما جمع سبي خيبر ، جاءه دحية الكلبي ، فقال : أعطني جارية من السبي ، فقال : "اذهب فخذ جارية" ، فأخذ صفية بنت حيي ، فقيل : يا رسول الله إنها سيدة قريظة والنضير ، وإنها لا تصلح إلا لك ، فقال له النبي ، صلى الله عليه وسلم : "خذ جارية من السبي غيرها" .

وقال ابن شهاب : كانت مما أفاء الله عليه ، فحجبها ، وأولم عليها بتمر وسويق ، وقسم لها . ويروى أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، دخل على صفية وهي تبكي ، فقال لها : "ما يبكيك ؟" قالت : بلغني أن عائشة وحفصة تنالان مني ، ويقولان : نحن خير من صفية ، نحن بنات عم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 402 ] وأزواجه ، قال : "أفلا قلت لهن كيف تكن خيرا مني وأبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت صفية حليمة عاقلة فاضلة . قال أبو عمر : روينا أن جارية لها أتت عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، فقالت : إن صفية تحب السبت ، وتصل اليهود . فبعث إليها عمر ، فسألها ، فقالت : أما السبت فإني لم أحبه منذ أبدلني الله به يوم الجمعة ، وأما اليهود فإن لي فيهم رحما ، فأنا أصلها . ثم قالت للجارية : ما حملك على ما صنعت ؟ قالت : الشيطان . قالت : اذهبي فأنت حرة .

وكانت صفية قد رأت قبل ذلك أن قمرا وقع في حجرها ، فذكرت ذلك لأبيها ، فضرب وجهها ضربة أثرت فيه ، وقال : إنك لتمدين عنقك إلى أن تكوني عند ملك العرب . فلم يزل الأثر في وجهها حتى أتى بها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فسألها عن ذلك ، فأخبرته الخبر .

وماتت صفية سنة خمسين ، في رمضان ، وقيل : سنة اثنتين وخمسين ، ودفنت بالبقيع ، وورثت مائة ألف درهم بقيمة أرض وعرض ، وأوصت لابن أختها بالثلث ، وكان يهوديا .

* ثم ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة ، وكان اسمها برة ، فسماها ميمونة ، زوجه إياها العباس عمه ، وكانت خالة ابن عباس ، وهي أخت لبابة الكبرى ، أم بني العباس ، ولبابة الصغرى أم خالد بن الوليد ، وعصماء وعزة ، وأم حفيد هزيلة لأب وأم ، وأخواتهن لأمهن : أسماء وسلمى وسلامة بنات عميس . وزاد بعضهم : زينب بنت خزيمة ، وأمهن هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة الحميرية .

وكانت ميمونة في الجاهلية عند مسعود بن عمرو بن عمير الثقفي ، ففارقها وخلف عليها أبو رهم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ، فتوفي عنها ، فتزوجها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في شوال سنة سبع ، وفيها اعتمر عمرة القضية في ذي القعدة ، وقد اختلفت الرواية : هل تزوجها ، عليه الصلاة والسلام ، وهو محرم أو [ ص: 403 ] وهو حلال ؟ فلما قدم مكة أقام بها ، عليه الصلاة والسلام ، ثلاثا ، فجاءه سهيل بن عمرو في نفر من أصحابه من أهل مكة، فقال : يا محمد ، اخرج عنا ، اليوم آخر شرطك ، فقال : دعوني أبتني بامرأتي ، وأصنع لكم طعاما ، فقال : لا حاجة لنا بك ولا بطعامك ، اخرج عنا . فقال سعد : يا عاض بظر أمه ، أرضك وأرض أمك دونه ، لا يخرج رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلا أن يشاء . فقال له رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : "دعهم ، فإنهم أزارونا ، لا نؤذيهم" . فخرج فبنى بها بسرف حيث تزوج بها ، وهنالك ماتت في حياة عائشة سنة إحدى وخمسين ، وقد بلغت ثمانين سنة ، وقد قيل في وفاتها غير ذلك ، وهي آخر من تزوج ، عليه الصلاة والسلام .

وقال ابن شهاب : هي التي وهبت نفسها للنبي ، صلى الله عليه وسلم .

وقال السهيلي : لما جاءها الخاطب ، وكانت على بعير ، رمت بنفسها من على البعير ، وقالت : البعير وما عليه لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

فهؤلاء نساؤه المدخول بهن اثنتا عشرة امرأة ، منهن ريحانة ، وقد ذكرنا الخلاف فيها ، ومات ، عليه الصلاة والسلام ، عن تسع منهن .

قال الحافظ أبو محمد الدمياطي : وأما من لم يدخل بها ، ومن وهبت نفسها له ، ومن خطبها ولم يتفق تزويجها ، فثلاثون امرأة على اختلاف في بعضهن ، والله أعلم .

قال المؤلف : ولنذكر من تيسر لنا ذكره منهن على سبيل الاختصار ، فمنهن :

* أسماء بنت الصلت السلمية .

* وأسماء بنت النعمان بن الجون بن شراحيل . وقيل : بنت النعمان بن الأسود بن حارثة بن شراحيل من كندة .

* وأسماء بنت كعب الجونية ، ذكرها ابن إسحاق من رواية يونس بن بكير عنه ، ولا أراها والتي قبلها إلا واحدة .

* وجمرة بنت الحارث الغطفاني ، خطبها ، عليه الصلاة والسلام ، لأبيها ، فقال : إن بها سوءا ، ولم يكن ، فرجع فوجدها قد برصت .

* وأميمة بنت شراحيل ، لها ذكر في صحيح البخاري .

* وحبيبة بنت سهل الأنصارية التي تركها ، فتزوجها ثابت ، قاله ابن الأثير . [ ص: 404 ]

* وخولة بنت الهذيل بن هبيرة بن قبيصة بن الحارث بن حبيب التغلبية ، ذكرها أبو عمر ، عن الجرجاني .

* وخولة أو خويلة بنت حكيم السلمية ، كانت امرأة صالحة فاضلة ، تكنى أم شريك ، وقيل : هي التي وهبت نفسها للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، وقد تكونان اثنتين ، فالله أعلم .

* وسناء بنت الصلت ، وهي عند أبي عمر بنت أسماء بن الصلت ، وقيل : أسماء أخ لها ، وقيل : تزوجها ثم طلقها ، وقيل : ماتت قبل أن تصل إليه ، وقيل : لما علمت أنه تزوجها ، عليه الصلاة والسلام ، ماتت من الفرح .

* وسودة القرشية ، كانت مصبية ، خطبها ، عليه الصلاة والسلام ، فاعتذرت ببنيها ، وكانوا خمسة أو ستة ، فقال لها خيرا .

* وشراف بنت خليفة ، أخت دحية الكلبي ، تزوجها فهلكت قبل دخوله بها .

* وصفية بنت بشامة بن نضلة ، أخت الأعور بن بشامة ، أصابها سباء ، فخيرها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقال : "إن شئت أنا وإن شئت زوجك" ، قالت : زوجي ، فأرسلها إليه ، فلعنتها بنو تميم .

* والعالية بنت ظبيان بن عمر بن عوف بن عبد بن أبي بكر بن كلاب ، تزوجها ، عليه الصلاة والسلام ، وكانت عنده ما شاء الله ، ثم طلقها ، قاله أبو عمر . وقال : قل من ذكرها .

* وعمرة بنت يزيد بن الجون الكلابية ، تزوجها ، فبلغه أن بها برصا ، فطلقها ولم يدخل بها . وقيل : هي التي تعوذت منه ، فقال لها : "لقد عذت بمعاذ" . فطلقها ، وأمر أسامة فمتعها بثلاثة أثواب .

* وعمرة بنت معاوية الكندية ، ذكرها ابن الأثير .

* وأم شريك العامرية ، قال ابن عبد البر : اسمها غزية بنت دودان بن عوف بن عمرو بن عامر بن رفاعة بن حجر ، ويقال : حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي ، يقال : هي التي وهبت نفسها للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، وقد قيل ذلك في جماعة سواها . [ ص: 405 ]

* وأم شريك بنت جابر الغفارية ، ذكرها أحمد بن صالح في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .

* وفاختة بنت أبي طالب بن عبد المطلب ، خطبها ، عليه الصلاة والسلام ، لأبيها عمه أبي طالب ، وخطبها هبيرة بن أبي وهب ، فزوجها أبو طالب من هبيرة .

* وفاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابي ، تزوجها ، وخيرها حين نزلت آية التخيير ، فاختارت الدنيا ، ففارقها ، فكانت بعد ذلك تلقط البعر ، وتقول : أنا الشقية ، اخترت الدنيا . حكاه أبو عمر ، ورده ، وقيل : التي كانت تقول : أنا الشقية ، هي المستعيذة منه ، وقيل غير ذلك .

* وفاطمة بنت شريح ، قال ابن الأمين : ذكرها أبو عبيدة في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .

* وقتيلة بنت قيس بن معدي كرب أخت الأشعث ، تزوجها قبل موته بيسير ، ولم تكن قدمت عليه ولا رآها . قيل : وأوصى أن تخير ، فإن شاءت ضرب عليها الحجاب وحرمت على المؤمنين ، وإن شاءت طلقت ونكحت من شاءت ، فاختارت النكاح ، فتزوجها بعد عكرمة بن أبي جهل .

* وليلى بنت الخطيم - أخت قيس - الأنصارية ، عرضت نفسها على النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فتزوجها ، ثم رجعت ، فقالت : أقلني ، فقال : "قد فعلت" .

* ومليكة بنت داود ، ذكرها ابن حبيب .

* ومليكة بنت كعب الليثي : تزوجها ، وقيل : دخل بها ، وقيل : لم يدخل .

* وهند بنت زيد بن البرصاء ، من بني أبي بكر بن كلاب . ذكرها أبو عبيدة في أزواج النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وقال أحمد بن صالح : هي عمرة بنت يزيد . قال أبو عمر : فيه نظر ، لأن الاضطراب فيه كثير جدا .

وأما سراريه ، فكن أربعا :

* مارية بنت شمعون القبطية ، أم ولده إبراهيم ، وكانت من حفن ، من كورة أنصنا ، من صعيد مصر ، أهداها إليه المقوقس ، ومعها أختها سيرين ، وألف مثقال ، وعشرون ثوبا من قباطي مصر ، والبغلة الشهباء ، دلدل ، وحمار أشهب يقال له : يعفور أو عفير ، وخصي [ ص: 406 ] يسمى : مابور . وقيل : إنه ابن عمها ، ومن عسل بنها ، فأعجب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، العسل ، ودعا في عسل بنها بالبركة ، فولدت له ، عليه الصلاة والسلام ، مارية إبراهيم . وقد تقدم ذكره .

* وريحانة بنت يزيد النضرية ، وقد سبق ذكرها .

** وقال أبو عبيدة : كان له أربع : مارية ، وريحانة ، وأخرى جميلة أصابها في السبي ، وجارية وهبتها له زينب بنت جحش .

وقال قتادة : كان للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، وليدتان : مارية وريحانة ، وبعضهم يقول : ربيحة القرظية .

*** [ ص: 407 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية