الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ابن سعد: وجعلوا على الخيل صفوان بن أمية، وقيل: عمرو بن العاص، وعلى الرماة: عبد الله بن أبي ربيعة، وكانوا مائة، وفيهم سبعمائة دارع، والظعن خمس عشرة امرأة. وشاع خبرهم في الناس ومسيرهم حتى نزلوا ذا الحليفة ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عينين له: أنسا ، ومؤنسا ابني فضالة الظفريين، ليلة الخميس لخمس مضت من شوال، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرهم، وأنهم قد حلوا إبلهم وخيلهم في الزرع الذي بالعريض، حتى تركوه ليس به خضراء، ثم بعث الحباب بن المنذر بن الجموح إليهم أيضا، فدخل فيهم، فحزرهم، وجاء بعلمهم، وبات سعيد بن معاذ ، وأسيد بن حضير ، وسعد بن عبادة في عدة ليلة الجمعة، عليهم السلاح في المسجد بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرست المدينة حتى أصبحوا، وذكر الرؤيا واختلافهم في الخروج كما سقناه ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة بالناس، ثم وعظهم، وأمرهم بالجد والاجتهاد، وأخبرهم أن لهم النصر ما صبروا، وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم، ففرح الناس بذلك ثم صلى بالناس العصر وقد حشدوا، وحضر أهل العوالي، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته، ومعه أبو بكر ، وعمر، فعمماه ولبساه، وصف الناس [ ص: 15 ] ينتظرون خروجه، فقال لهم سعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير: استكرهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج، فردوا الأمر إليه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد لبس لأمته، وأظهر الدرع، وحزم وسطها بمنطقة من أدم من حمائل سيف، واعتم وتقلد السيف، وألقى الترس في ظهره، فندموا جميعا على ما صنعوا، وقالوا: ما كان لنا أن نخالفك، فاصنع ما بدا لك، فقال: "لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه".

وعقد ثلاثة ألوية: لواء للأوس بيد أسيد بن الحضير، ولواء للمهاجرين بيد علي بن أبي طالب، وقيل: بيد مصعب بن عمير، ولواء للخزرج بيد الحباب بن المنذر، وقيل: بيد سعد بن عبادة، وفي المسلمين مائة دارع، وخرج السعدان أمامه يعدوان: سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة دارعين.

واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وعلى الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة في خمسين، وأدلج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السحر، ودليله أبو خيثمة الحارثي، فحانت الصلاة (يعني الصبح) فصلى.

وانخزل حينئذ ابن أبي من ذلك المكان بثلاثمائة ومعه فرسه، وفرس لأبي بردة ابن نيار وهو يقول: عصاني وأطاع الولدان ومن لا رأي له.

رجع إلى خبر ابن إسحق: قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يأخذ هذا السيف بحقه؟" فقام إليه رجال، فأمسكه عنهم، حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة، أخو بني ساعدة، فقال: وما حقه يا رسول الله؟ قال: أن تضرب به في وجه العدو حتى ينحني قال: "أنا آخذه يا رسول الله بحقه، فأعطاه إياه، وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب إذا كانت ، وحين رآه عليه الصلاة والسلام يتبختر قال: إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن" .

وكان أول من أنشب الحرب بينهم: أبو عامر عبد بن عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان، أحد بني ضبيعة، وكان فيما ذكر ابن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة: خرج [ ص: 16 ] حين خرج إلى مكة مباعدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم معه خمسون غلاما من الأوس، وبعض الناس يقول: خمسة عشر ، وكان يعد قريشا أن لو لقي قومه لم يتخلف عليه منهم رجلان، فلقيهم في الأحابيش وعبدان أهل مكة ، فنادى: يا معشر الأوس، أنا أبو عامر، قالوا: فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق، وكان يسمى في الجاهلية: الراهب. فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم: الفاسق، فلما سمع ردهم عليه قال: لقد أصاب قومي بعدي شر ثم قاتلهم قتالا شديدا، ثم راضخهم بالحجارة .

قال ابن إسحاق: وقد قال أبو سفيان لأصحاب اللواء من بني عبد الدار يحرضهم على القتال : يا بني عبد الدار; إنكم قد وليتم لواءنا يوم بدر، فأصابنا ما قد رأيتم، وإنما يؤتى الناس من قبل راياتهم، إذا زالت زالوا، فإما أن تكفونا لواءنا، وإما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه، فهموا به وتوعدوه وقالوا نحن نسلم إليك لواءنا؟ ستعلم غدا إذا التقينا كيف نصنع، وذلك أراد أبو سفيان.

فلما التقى الناس قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها، وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال ويحرضنهم، فقالت هند فيما تقول:


ويها بني عبد الدار ويها حماة الأدبار


ضربا بكل بتار

وتقول:


إن تقبلوا نعانق     ونفرش النمارق
أو تدبروا نفارق     فراق غير وامق

. [ ص: 17 ] فاقتتل الناس حتى حميت الحرب، وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس.

التالي السابق


الخدمات العلمية