الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ابن عقبة: ولحق بنو أبي الحقيق بخيبر ، ومعهم آنية كثيرة من فضة، قد رآها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين خرجوا بها، وعمد حيي بن أخطب حتى قدم مكة على قريش، فاستغواهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم واستنصرهم، وبين الله عز وجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديث أهل النفاق، وما بينهم وبين اليهود.

وفيما ذكر ابن سعد من الخبر عن بني النضير: أنهم حين هموا بغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلمه الله بذلك، ونهض سريعا إلى المدينة ، بعث إليهم محمد بن مسلمة أن اخرجوا من بلدي، فلا تساكنوني بها، وقد هممتم بما هممتم به من الغدر، وقد أجلتكم عشرا، فمن رؤي بعد ذلك ضربت عنقه، فمكثوا على ذلك، أياما يتجهزون، وأرسلوا إلى ظهر لهم بذي الجدر، وتكاروا من ناس من أشجع إبلا، فأرسل إليهم ابن أبي: لا تخرجوا من دياركم، وأقيموا في حصونكم، فإن معي ألفين من قومي ومن العرب، يدخلون حصنكم فيموتون من آخرهم، وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان، فطمع حيي فيما قال ابن أبي، فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك، فأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير، وكبر المسلمون لتكبيره وقال: "حاربت يهود"،فسار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه، فصلى العصر بفناء بني النضير، وعلي يحمل رايته، واستخلف على [ ص: 76 ] المدينة ابن أم مكتوم، فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاموا على حصونهم، معهم النبل والحجارة، واعتزلتهم قريظة فلم تعنهم، وخذلهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان، فيئسوا من نصرهم، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقطع نخلهم، فقالوا: نحن نخرج عن بلادك، فقال: "لا أقبله اليوم، ولكن اخرجوا منها، ولكم دماؤكم وما حملت الإبل إلا الحلقة" ، فنزلت يهود على ذلك، وكان حاصرهم خمسة عشر يوما، فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم، ثم أجلاهم عن المدينة ، وولي إخراجهم محمد بن مسلمة، وحملوا النساء والصبيان، وتحملوا على ستمائة بعير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هؤلاء في قومهم بمنزلة بني المغيرة في قريش" ، فلحقوا بخيبر ، وحزن المنافقون عليهم حزنا شديدا، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال والحلقة، فوجد من الحلقة خمسين درعا، وخمسين بيضة، وثلاثمائة وأربعين سيفا، وكانت أموال بني النضير صفيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حبسا لنوائبه، ولم يخمسها، ولم يسهم منها لأحد، وقد أعطى ناسا من أصحابه، ووسع في الناس منها.

التالي السابق


الخدمات العلمية