الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر فوائد تتعلق بما سبق من ذكر الخندق وبني قريظة .

أول من حفر الخنادق في الحروب: منوشهر بن إيرج، وأول من كمن الكمائن: بخت نصر، ذكر ذلك عن الطبري.

والنسبة إلى بني النضير: نضري، بفتحتين، كثقفي.

وعيينة بن حصن، لقب، لقائد الأحزاب، واسمه حذيفة، لقب بذلك لشتر كان في عينيه.

وذكر حيي بن أخطب وما قال لكعب بن أسد، وإنه لم يزل يفتل في الذروة والغارب. قال السهيلي: هذا مثل، وأصله في البعير يستصعب عليك، فتأخذ القراد من ذروته وغارب سنامه، فيجد البعير لذة، فيأنس عند ذلك، وأنشد للحطيئة:


لعمرك ما قراد بني كليب إذا نزع القراد بمستطاع

يريد أنهم لا يخدعون ولا يستذلون.

واللحن: العدول بالكلام عن الوجه المعروف إلى وجه لا يعرفه إلا صاحبه، كما أن اللحن الذي هو الخطأ عدول عن الصواب المعروف، وقال الجاحظ في قول مالك بن أسماء :


منطق صائب وتلحن أحيا     نا، وخير الكلام ما كان لحنا

يريد: أن اللحن الذي هو الخطأ قد يستملح، ويستطاب من الجارية الحديثة السن.

وخطئ الجاحظ في هذا التأويل، وأخبر بما قاله الحجاج بن يوسف لامرأته هند بنت أسماء بن خارجة حين لحنت، فأنكر عليها اللحن، فاحتجت بقول أخيها مالك بن أسماء ، وخير الحديث ما كان لحنا.

وقال لها الحجاج: لم يرد أخوك هذا، إنما أراد الذي هو التورية [ ص: 115 ] والإلغاز، فسكتت. فلما حدث الجاحظ بهذا الحديث، قال: لو كان بلغني هذا قبل أن أؤلف كتاب (البيان) ما قلت في ذلك ما قلت. فقيل: أفلا تغيره؟ فقال: وكيف وقد سارت بها البغال الشهب، وأنجد في البلاد وأغار. انتهى ما حكاه السهيلي، وتأويل الجاحظ أولى، لما فيه من مقابلة الصواب بالخطأ ، ولعل الشاعر لو أراد المعنى الآخر، لقال منطق ظاهر ليقابل بذلك ما تقتضيه التورية واللغز من الخفاء، وكما قال الجاحظ في تأويل وتلحن أحيانا قاله ابن قتيبة.

وحبان بن العرقة: هو حبان بن عبد مناف بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي، والعرقة أمه، وهي قلابة بنت سعيد بن سعد بن سهم، تكنى أم فاطمة ، سميت العرقة لطيب ريحها. كذا ذكر السهيلي ، وابن الكلبي يقول: هي أم عبد مناف جد أبيه، وهو عنده: حبان بن أبي قيس بن علقمة بن عبد مناف ، وموسى بن عقبة يقول فيه: فيه جبار بن قيس، بالجيم والراء أحد بني العرقة.

وحديث اهتزاز العرش لموت سعد بن معاذ حديث صحيح. قال السهيلي: والعجب من رواية من روى عن مالك أن يقال اهتز العرش لموت سعد بن معاذ. ولم ير التحديث بذلك مع صحة نقله وكثرة الرواة له، ولا أدري ما وجه ذلك، ولعلها غير صحيحة عنه، فقد خرجه البخاري.

قلت: هذا يقتضي أن يكون إنكار مالك محمولا عنده على أمر عنده يرجع إلى الإسناد، [ ص: 116 ] وليس كذلك، بل قد اختلف العلماء في هذا الخبر، فمنهم من يحمله على ظاهره، ومنهم من يجنح فيه إلى التأويل. وما كانت هذه سبيله من الأخبار المشكلة، فمن الناس من يكره روايته إذا لم يتعلق به حكم شرعي، فلعل الكراهة المروية عن مالك من هذا الوجه، والله أعلم.

وأسيد بن سعية، بفتح الهمزة وكسر السين، كذا هو عند أكثر الرواة، ونقل عن بعضهم: أسيد، بضم الهمزة وفتح السين.

وجهشت إلى الشيء وأجهشت: أسرعت متباكيا.

ويعني بالأرقعة: السماوات. قال ابن دريد: كذا جاء في هذا الحديث "سبعة أرقعة" على لفظ التذكير، على معنى السقف. قال الفسوي: ومثل تسميتهم إياها بالجرباء، تسميتهم إياها بالرقيع، قال ابن الأعرابي: سموها بالرقيع لأنها مرقوعة بالنجوم. قال أبو علي: والأجرب: خلاف الأملس.

والمرأة المقتولة من بني قريظة اسمها بنانة، امرأة الحكم القرظي. قال السهيلي: وفي قتلها دليل لمن قال تقتل المرتدة من النساء، أخذا بعموم قوله عليه الصلاة والسلام: "من بدل دينه فاضربوا عنقه".

وفيه مع العموم قوة أخرى، وهي تعليق الحكم بالردة والتبديل، ولا حجة مع هذا لمن زعم من أهل العراق بأن لا تقتل المرتدة لنهيه عليه الصلاة والسلام عن قتل النساء والولدان. قلت: هما عامان تعارضا، وكل من الفريقين يخص أحد الحديثين بالآخر، فالعراقيون يخصون حديث: "من بدل دينه فاقتلوه" ، بحديث النهي عن قتل النساء والصبيان، وغيرهم يخالفهم، وتخصيص المخالف أولى لوجه ليس هذا موضع ذكره. وأما استدلاله بهذا الحديث [ ص: 117 ] على قتل المرتدة، ولم تكن هذه مرتدة قط فعجيب، بل هي قاتلة، قتلت خلاد بن سويد، ومقاتلة بتعاطيها ذلك، وناقضة للعهد، فالعراقي موافق لغيره في قتل هذه، وفي انفرادها بالقتل عن نساء بني قريظة ما يشعر بأنه لما انفردت به عنهن من قتل خلاد، فليس هذا من حكم المرتدة في ورد ولا صدر.

وقول الزبير، وهو بفتح الزاي وكسر الباء، لست صابرا قبلة دلو ناضح. هو عند ابن إسحاق: بالفاء والتاء ثالثة الحروف، وقال ابن هشام، إنما هو بالقاف والباء الموحدة، وقابل الدلو: الذي يأخذها من المستقي. وذكر أبو عبيد الحديث في الأموال إفراغة دلو. [ ص: 118 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية