الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كتاب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، إلى الحارث بن أبي شمر الغساني مع شجاع بن وهب

ذكر الواقدي أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بعث شجاعا إلى الحارث بن أبي شمر ، وهو بغوطة دمشق ، فكتب إليه مرجعه من الحديبية .

( "بسم الله الرحمن الرحيم ، ) من محمد رسول الله ، إلى الحارث بن أبي شمر ، سلام على من اتبع الهدى وآمن به وصدق ، وإني أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له ، يبقى لك ملكك .

فختم الكتاب ، وخرج به شجاع بن وهب ، قال : فانتهيت إلى حاجبه ، فأجده يومئذ وهو مشغول بتهيئة الأنزال والألطاف لقيصر ، وهو جاء من حمص إلى إيلياء حيث كشف الله عنه جنود فارس ، شكرا لله تعالى . قال : فأقمت على بابه يومين أو ثلاثة ، فقلت لحاجبه : إني رسول رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إليه ، فقال حاجبه : لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا وكذا ، وجعل حاجبه - وكان روميا اسمه مري - يسألني عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وما يدعو إليه ، فكنت أحدثه ، فيرق حتى يغلبه البكاء ، ويقول : إني قرأت في الإنجيل ، وأجد صفة هذا النبي بعينه ، فكنت أراه يخرج بالشام ، فأراه قد خرج بأرض القرظ ، فأنا أؤمن به وأصدقه ، وأنا أخاف من الحارث بن أبي شمر أن يقتلني . قال شجاع : فكان - يعني هذا الحاجب - يكرمني ويحسن ضيافتي ، ويخبرني عن الحارث باليأس منه ، ويقول : هو يخاف قيصر . قال : فخرج الحارث يوما وجلس ، فوضع التاج على رأسه ، فأذن لي عليه ، فدفعت إليه كتاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقرأه ثم رمى به ، وقال : من ينتزع مني ملكي ، أنا سائر إليه ، ولو كان باليمن جئته ، علي بالناس ، فلم يزل جالسا يعرض حتى الليل ، وأمر بالخيل أن تنعل ، ثم قال : أخبر صاحبك بما ترى ، وكتب إلى قيصر يخبره خبري ، فصادف قيصر بإيلياء ، وعنده دحية الكلبي ، وقد بعثه إليه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فلما قرأ قيصر كتاب الحارث كتب [ ص: 357 ] إليه : ألا تسر إليه ، واله عنه ، ووافني بإيلياء . قال : ورجع الكتاب وأنا مقيم ، فدعاني ، وقال : متى تريد أن تخرج إلى صاحبك ؟ قلت : غدا . فأمر لي بمائة مثقال ذهبا ، ووصلني مري بنفقة وكسوة ، وقال : اقرأ على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، مني السلام ، وأخبره أني متبع دينه .

قال شجاع : فقدمت على النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته ، فقال : "باد ملكه" . وأقرأته من مري السلام ، وأخبرته بما قال ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : "صدق" .


وابن هشام يقول بأن المرسل إليه جبلة بن الأيهم ، بدل الحارث بن أبي شمر .

وقد تقدم فيما ذكرناه عن ابن إسحاق ، كتاب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، إلى الحارث بن عبد كلال ، ومن معه باليمن، والله تعالى أعلم .

*** [ ص: 358 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية