الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
76 - " أتاني جبريل بالحمى؛ والطاعون؛ فأمسكت الحمى في المدينة؛ وأرسلت الطاعون إلى الشأم؛ فالطاعون شهادة لأمتي؛ ورحمة لهم؛ ورجس على الكافرين " ؛ (حم)؛ ابن سعد ؛ عن أبي عسيب.

التالي السابق


(أتاني جبريل) ؛ كـ " فعيل" ؛ بالكسر؛ وفيه نحو عشرين وجها؛ وهو سرياني؛ معناه: " عبد الرحمن " ؛ أو " عبد العزيز" ؛ كما صح عن الحبر؛ و" إيل" ؛ اسم الله؛ عند الأكثر؛ قال البيهقي : واسمه - وإن كان أعجميا - لكنه موافق لمعناه العربي؛ إذ الجبر إصلاح ما وهي؛ وهو موكل بالوحي المصلح لما وهي من الدين؛ (بالحمى) ؛ باؤه للتعدية؛ وهي حرارة بين الجلد واللحم والعظم؛ أنواعها متكثرة؛ (والطاعون) ؛ بثرة مع لهب واسوداد؛ من مادة سمية؛ من وخز الجن؛ قال الزمخشري : هو من " الطعن" ؛ لأنهم يسمون الطواعين " رماح الجن" ؛ (فأمسكت) ؛ حبست؛ (الحمى بالمدينة) ؛ النبوية؛ لكونها لا تقتل غالبا؛ بل قد تنفع؛ كما بينه ابن القيم؛ وهذا كان أولا؛ ثم لما رأى ما أصاب أصحابه حين هاجروا إليها من حماها من البلاء والسقم؛ دعا الله؛ فنقلها إلى الجحفة؛ حتى صارت لا يمر بها طائر إلا حم وسقط؛ كما يجيء؛ لكن بقيت منها البقية للتكفير؛ كما يدل له خبر ابن ذبالة مرفوعا؛ فإنه يؤذن - كما قال السمهودي - ببقاء شيء منها بها؛ كما هو الآن؛ فالذي نقل سلطانها؛ أو أعيد الخفيف منها للتكفير؛ (وأرسلت الطاعون إلى الشأم) ؛ كـ " الرأس" ؛ همزا؛ وتخفيفا؛ وأنكر ابن الأثير المد؛ يذكر؛ ويؤنث؛ إقليم معروف؛ عن شمال القبلة؛ يشتمل على بلاد قاعدتها دمشق؛ سميت به لأن بأرضها شامات ملونة؛ أو لكونها عن شمال القبلة؛ وزعم أنها سميت بـ " سام" ؛ ابن نوح؛ لكونه أول من اختطها؛ رده ابن جماعة؛ بتصريح جمع بأنه لم يدخلها؛ والله قادر على تصوير المعاني المعقولة بهيئة الأجسام المشخصة؛ وخص الشأم بإرساله؛ لأنه كان بها في قصة الجبابرة مع موسى؛ ولأنها أخصب الأرض؛ والخصب مظنة الأشر؛ والبطر؛ فجعل بها ليزجرهم عن المنهيات؛ ويقودهم للمأمورات؛ وهذا لم يزل به سلطانها؛ ومن ثم قالوا: لا طواعين كطواعين الشأم؛ (فالطاعون شهادة) ؛ أخروية؛ (لأمتي) ؛ أمة الإجابة؛ (ورحمة لهم) ؛ أي: مغفرة لذنوبهم؛ ورفع لدرجاتهم؛ بشروط تأتي؛ (ورجس) ؛ وفي رواية " رجز" ؛ أي: عذاب؛ نشأ عن غضب؛ قال الزمخشري : من " ارتجز" ؛ اضطرب؛ لما يلحق المعذب من القلق والاضطراب؛ (على الكافرين) ؛ وفي رواية: " الكافر" ؛ والمراد به الجنس؛ ولكون هذا كالتتمة والرديف لما قبله؛ لم يراع تمام المقابلة بقوله: " ونقمة لهم" ؛ قال ابن حجر: هذا يدل على أنه اختارها على الطاعون؛ وأقرها بالمدينة؛ ثم دعا الله فنقلها بالجحفة؛ كما في الصحيحين؛ وبقي منها بقية؛ ولا يعارضه الدعاء برفع الوباء عنها؛ لندرة وقوعه فيها؛ بخلاف الطاعون؛ لم ينقل قط أنه دخلها؛ انتهى؛ وخص الجحفة بنقلها إليها لأنها كانت مساجد اليهود؛ واستشكل نقل الحمى إليها مع جعلها ميقاتا للحج؛ وأجيب بأنه لما علم من قواعد الشرع أنه لا يأمر بما فيه ضرر؛ وجب حمل ذلك على أنها انتقلت إليها مدة مقام اليهود بها؛ ثم زالت بزوالهم من الحجاز؛ أو قبله؛ حين التوقيت بها.

(حم وابن سعد ) ؛ في الطبقات؛ والطبراني ؛ والحاكم ؛ في الكنى؛ والبغوي ؛ والماوردي ؛ وأبو نعيم ؛ وابن عساكر ؛ (عن أبي عسيب) ؛ بمهملتين؛ كـ " عظيم" ؛ ويقال: " عصيب" ؛ بصاد مهملة؛ مولى المصطفى؛ له صحبة وسماع؛ ورواية؛ واسمه أحمد ؛ قال الهيتمي: رجال أحمد ثقات؛ ولذلك رمز المؤلف لصحته.



الخدمات العلمية