الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
282 - " أخبروني بشجرة شبه الرجل المسلم؛ لا يتحات ورقها؛ ولا.. ولا.. ولا.. تؤتي أكلها كل حين؛ هي النخلة " ؛ (خ) ؛ عن ابن عمر .

[ ص: 206 ]

التالي السابق


[ ص: 206 ] (أخبروني) ؛ يا أصحابي؛ (بشجرة شبه) ؛ بكسر؛ فسكون؛ وبفتحتين؛ وفي رواية: " مثل" ؛ كذلك؛ وهما بمعنى؛ كما في الصحاح؛ (الرجل المسلم) ؛ هذا هو المشبه به؛ و" النخلة" ؛ مشبهه؛ وكان القياس تشبيه المسلم بها؛ ليكون وجه الشبه فيها أظهر؛ لكن قلب التشبيه؛ إيذانا بأن المسلم أتم منها في الثبات؛ وكثرة النفع؛ على حد قوله:


وكأن النجوم بين دجاها ... سنن لاح بينهن ابتداع



ثم بين وجه الشبه؛ بقوله: (لا يتحات) ؛ أي: لا يتساقط؛ (ورقها) ؛ وكذا المسلم؛ لا تسقط له دعوة؛ (ولا) ؛ ينقطع ثمرها؛ فإنها من حين يخرج طلعها يؤكل منه؛ إلى أن يصير تمرا يابسا؛ يدخر؛ فكذا المسلم؛ لا ينقطع خيره حيا؛ ولا ميتا؛ (ولا) ؛ يبطل نفعها؛ (ولا) ؛ يعدم فيؤها؛ بل ظلها دائم؛ ينتفع به؛ هكذا كرر النفي ثلاثا؛ على طريق الاكتفاء؛ ووقع في مسلم ذكر النفي مرة واحدة؛ فظن الراوي عنه تعلقه بما بعده؛ فاستشكله؛ وقال: لعل " لا" ؛ زائدة؛ ولعله: " وتؤتي..." ؛ إلى آخره؛ وليس كما ظن؛ بل معمول النفي محذوف؛ اكتفاء؛ كما قدر وقرر؛ ثم ابتدأ كلاما على طريق التفسير لما قبله: (تؤتي أكلها كل حين) ؛ بإذن ربها؛ فإنها تؤكل من حين تطلع إلى أن تيبس؛ ثم ينتفع بجميع أجزائها؛ حتى النوى؛ في العلف؛ والليف؛ في الحبال؛ والجذع في البناء؛ والخوص؛ في نحو آنية وزنبيل؛ وغير ذلك؛ وكذا المؤمن؛ ثابت بإيمانه؛ متحل بإيقانه؛ جميل الخلال والصفات؛ كثير الصلاة والصلات؛ جزيل الإحسان والصدقات؛ وما يصدر عنه من العلوم والخيور قوت للأرواح؛ وينتفع بكل صادر عنه؛ حيا؛ وميتا؛ قال ابن عمر ؛ راوي الخبر: فوقع الناس في شجر البوادي؛ ووقع في نفسي أنها النخلة؛ وأردت أن أقولها؛ فإذا أنا أصغر القوم؛ فاستحييت؛ ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؛ قال: (هي النخلة) ؛ وفيه أن الملغز له ينبغي أن يتفطن لقرائن الأحوال الواقعة في السؤال؛ وأن الملغز ينبغي ألا يبالغ في التعمية؛ بحيث لا يجعل للغز بابا يدخل منه؛ بل كلما قربه كان أعذب في نفس سامعه؛ وامتحان العالم أذهان طلبته بما يدق؛ مع بيانه؛ إن لم يفهموه؛ ولا ينافيه النهي عن الأغلوطات المفسرة بصعاب المسائل؛ لحمله على ما لا نفع فيه؛ أو ما خرج على طريق تعنت المسؤول؛ أو تعجيزه؛ والتحريض على الفهم في العلم؛ وبركة النخلة وما تثمر؛ ثم إن ما تقرر من وجه الشبه هو الأنسب مما أورد في هذا المقام؛ قال ابن حجر: ومن زعم أن موقع التشبيه توافق التشبيه من جهة كون النخلة إذا قطع رأسها ماتت؛ أو أنها لا تحمل حتى تلقح؛ أو أنها إذا غرقت ماتت؛ أو أن لطلعها رائحة كمني الآدمي؛ أو أنها تعشق؛ فكلها أوجه ضعيفة؛ إذ كل ذلك مشترك في الآدميين؛ لا يختص بالمسلم؛ وأضعف منه زعم أنها خلقت من فضلة طينة آدم؛ فإنه حديث لم يثبت؛ وفيه رمز إلى أن تشبيه الشيء بالشيء لا يلزم منه كونه نظيره من كل وجه؛ فإن المؤمن لا يماثله شيء من الجماد؛ ولا يعادله؛ قال ابن رشيق؛ كغيره: و" المشابهة" : الاتحاد في الكيف؛ كاتفاق لونين؛ أو حرارتين؛ مثلا؛ والتشبيه وصف الشيء بما قاربه وشاكله؛ من جهة؛ أو جهات؛ لا من جميع جهاته؛ إذ لو ناسبه كليا لكان هو إياه.

(خ عن ابن عمر) ؛ ابن الخطاب - رضي الله (تعالى) عنهما.



الخدمات العلمية