الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
26 - " آية بيننا وبين المنافقين: شهود العشاء؛ والصبح؛ لا يستطيعونهما " ؛ (ص) عن سعيد بن المسيب ؛ مرسلا.

التالي السابق


(آية) ؛ بالتنوين؛ (بيننا وبين المنافقين) ؛ نفاقا عمليا؛ وأطلق عليهم اسم النفاق مبالغة في التهديد على ترك حضور الجماعة؛ (شهود) ؛ أي: حضور؛ أي: ترك حضور جماعة (العشاء) ؛ بكسر العين؛ والمد؛ لغة: أول الظلام؛ سميت به الصلاة لفعلها حينئذ؛ (والصبح) ؛ بضم الصاد؛ لغة: أول النهار؛ سميت به الصلاة [ ص: 64 ] لمثل ما ذكر؛ ثم وجه ذلك بقوله: (لا يستطيعونهما) ؛ أي: فإنما نحن نستطيع فعلهما؛ بنشاط وانبساط؛ فلا كلفة علينا في حضور المسجد لصلاتهما جماعة؛ وأما هم فثقيلتان عليهم؛ فلا يستطيعون فعلهما بخفة ونشاط؛ كما يوضحه حديث الشيخين: " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والصبح" ؛ وذلك لأن العشاء وقت استراحة؛ والصبح وقت لذة النوم صيفا؛ وشدة البرد شتاء؛ وأما المتمكنون في إيمانهم فتطيب لهم هذه المشقات؛ لنيل الدرجات؛ لأن نفوسهم مرتاضة بأمثالهما؛ متوقعة في مقابلة ذلك ما تستخف لأجله المشاق؛ وتستلذ بسببه المتاعب؛ لما تعتقده في ذلك من الفوز العظيم بالنعيم المقيم؛ والخلاص من العذاب الأليم؛ ومن ثم كانت قرة عين المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة؛ ومن طاب له شيء ورغب فيه حق رغبته؛ احتمل شدته؛ بل تصير لذته؛ ولم يبال بما يلقى من مؤنته؛ ومن أحب شيئا حق محبته؛ أحب احتمال محنته؛ حتى إنه ليجد بتلك المحنة ضروبا من اللذة؛ ألا ترى جاني العسل لا يبالي بلسع النحل؛ لما يتذكر من حلاوة العسل؛ والأجير لا يعبأ بارتقاء السلم الطويل؛ مع الحمل الثقيل؛ طول النهار؛ لما يتذكر من أخذ الأجرة بالعشي؛ والفلاح لا يتكدر بمقاساة الحر؛ والبرد؛ ومباشرة المشاق والكد؛ طول السنة؛ لما يتذكر من أوان الغلة؟! فكذا المؤمن المخلص إذا تذكر الجنة في طيب مقيلها؛ وأنواع نعيمها؛ هان عليه ما يتحمله من مشقة هاتين الصلاتين؛ وحرص عليهما؛ بخلاف المنافق؛ وأفاد قوله في حديث الشيخين: " أثقل" ؛ أن الصلوات كلها ثقيلة على المنافقين؛ قال (تعالى): ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ؛ وأن بعضها أثقل من بعض؛ واعلم أن المنافق يصلي: لكن من حيث العادة؛ لا القيام بالعبادة؛ فهو لما أضمره في نفسه من كراهة الصلاة لا يرائي بها؛ بل يصليها في بيته؛ (تنبيه) : قال بعض العارفين: لزوم الصبح في جماعة يسهل أسباب الدنيا الصعبة؛ والعصر والعشاء فيها يورث الزهد؛ ويقمع النفس عن الشهوات؛ ويصحح الاعتقاد؛ مع ما فيه من سلوك الأدب مع الله؛ حال قسمته أرزاق العباد؛ فإنهم تقسم أرزاقهم المحسوسة بعد الصبح؛ والمعنوية بعد العصر والعشاء.

(ص)؛ وكذا البيهقي في الشعب؛ (عن) ؛ أبي محمد؛ ( سعيد بن المسيب ؛ مرسلا) ؛ بفتح المثناة تحت؛ ويجوز كسرها؛ كما في الديباج؛ والأول أشهر؛ وهو رأس التابعين؛ ورئيسهم؛ وعالمهم؛ وفردهم؛ وفقيههم؛ قال مكحول : طفت الأرض؛ فما لقيت أعلم منه؛ وقد أفردت مناقبه بالتأليف؛ وهذا الحديث إسناده صحيح.



الخدمات العلمية