الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
458 - " إذا أطال أحدكم الغيبة؛ فلا يطرق أهله ليلا " ؛ (حم ق) ؛ عن جابر ؛ (صح).

التالي السابق


(إذا أطال أحدكم الغيبة) ؛ في سفر؛ أو غيره؛ ومن قيد بالسفر؛ فكأنه لم ينتبه لما نقله هو عن أهل اللغة الآتي على الأثر؛ ومرجع الطول العرف؛ (فلا يطرق) ؛ بفتح أوله؛ وفي رواية للشيخين: " فلا يطرقن" ؛ (أهله) ؛ أي: لا يفجأ حلائله بالقدوم عليهم بالليل؛ لتفويت التأهب عليهم؛ و" الطروق" : المجيء بالليل؛ من سفر؛ أو غيره من الطرق؛ وهو الدق؛ سمي الآتي بالليل " طارقا" ؛ لحاجته إلى دق الباب؛ قالوا: ولا يقال في النهار إلا مجازا؛ فقوله: (ليلا) ؛ للتأكيد؛ دفعا لمجاز استعمال الطرق في النهار؛ ولا ينافيه خبر البخاري عن جابر : كنا في غزوة؛ فلما قفلنا ذهبنا لندخل؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: " أمهلوا حتى تدخلوا ليلا" ؛ أي: عشاء؛ لكي تمتشط الشعثة؛ وتستحد المغيبة" ؛ لأن الأمر بالدخول ليلا لمن علم أهله بقدومه؛ فاستعدوا؛ والنهي لمن فاجأ قبل ذلك؛ وأفهم تقييده بالطول أنه لو قرب سفره؛ بحيث تتوقع حليلته إتيانه؛ فتتأهب؛ أنه لا يكره؛ وبه جزم جمع؛ منهم الطيبي؛ وجرى عليه ابن حجر؛ حيث قال: التقييد بطول الغيبة يشير إلى أن علة النهي إنما توجد حينئذ؛ والحكم يدور مع علته وجودا؛ وعدما؛ فلما كان الذي يخرج لحاجة مثلا نهارا؛ ويرجع ليلا؛ لا يتأدى به له ما يحذر من الذي يطيل الغيبة؛ لم يكن مثله؛ أهـ.

فقول الزين زكريا: الطول ليس بقيد؛ غير جيد؛ كيف والحديث مصرح به؛ والعلة تقتضيه؟! قال الطيبي: وكذا لو كان في قفل؛ أو عسكر عظيم؛ واشتهر قدومهم تلك الليلة؛ لزوال العلة المقتضية للكراهة؛ وهي عدم تأهب حليلته؛ [ ص: 289 ] فيعافها؛ وقول ابن حجر: أو يجدها على حالة غير مرضية؛ والشرع أمرنا بالستر؛ وعدم تطلب العثرات غير مرضي؛ إذ على الإنسان شرعا وحمية وألفة ومروءة أن يتفحص عن أهل بيته؛ فإن عثر على ريبة حرص على إزالة مقتضيها؛ ولا يقول عاقل - فضلا عن عالم فاضل -: إن الإنسان ينبغي له التغافل عن أهل بيته؛ وإهمال النظر في دواخل أحوالهم؛ ليتمكنوا من فعل ما شاؤوا من ضروب الفساد؛ ويستمر ذلك مستورا عليه؛ واستكشافه لأحوالهم لا ينافي الستر المطلوب؛ فإنه إن رأى ريبة كتمها؛ وفارق أهله؛ أو أدب سرا؛ وحسم طريق الفساد.

(حم ق؛ عن جابر ) ؛ ورواه عنه أيضا أبو داود ؛ والنسائي ؛ وغيرهما.



الخدمات العلمية