الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
7 - " آخر ما تكلم به إبراهيم حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل " ؛ (خط)؛ عن أبي هريرة ؛ وقال: غريب؛ والمحفوظ عن ابن عباس موقوف؛ (صح).

التالي السابق


(آخر ما تكلم به إبراهيم) ؛ أعجمي معرب؛ أصله " إبراهام" ؛ على ما نقل عن سيبويه ؛ لكن في القاموس: " إبراهيم" ؛ و" إبراهام" ؛ و" إبراهوم" ؛ مثلثة الهاء؛ و" إبرهم" ؛ بفتح الهاء؛ بلا ألف؛ اسم أعجمي؛ قال ابن الكمال: وعليه لا يكون " إبراهيم" ؛ معربا؛ وقال المحقق في شرح المختصر: إجماع أهل العربية على منع صرف " إبراهيم" ؛ ونحوه؛ للعلمية والعجمة؛ يوضح ما ذكرناه؛ من وقوع المعرب فيه؛ يعني القرآن؛ (حين ألقي)؛ بالبناء للمفعول؛ أي: ألقاه نمروذ؛ (في النار)؛ التي أعدها له ليحترق؛ وكان عمره ستة عشر سنة؛ على ما في الكشاف؛ وتاريخ ابن عساكر .

و" الإلقاء" ؛ كما قال الراغب : طرح الشيء حيث يلقاه؛ ثم صار في التعارف اسما لكل طرح؛ و" النار" : جوهر لطيف مضيء حار محرق؛ من " نار؛ ينور" ؛ إذا نفر؛ لأن فيها حركة واضطرابا؛ و" النور" : ضوؤها؛ وضوء كل نير؛ و" الإضاءة" : الإنارة؛ ذكره الزمخشري ؛ (حسبي الله) ؛ مبتدأ؛ وخبر؛ أي: كافيني وكافلني هو الله؛ من " أحسبه الشيء" ؛ كفاه؛ (ونعم)؛ كلمة مبالغة؛ تجمع المدح كله؛ ذكره الحراني ؛ وقال الراغب : كلمة تستعمل في المدح؛ بإزاء " بئس" ؛ (الوكيل)؛ أي: نعم الموكول إليه الله (تعالى)؛ وذلك لأن الخليل - لعلو منصبه؛ وسمو مقامه؛ وشموخ همته - لم يشخص أمله لشيء سوى ربه؛ ولم يرض بإسعاف أحد غيره؛ بل قصر نظره عليه؛ وأعرض عن الأسباب والعدد؛ ضاربا عنها صفحا؛ واغتنى بمسببها كافيا وحسيبا؛ فإنه (تعالى) جعل لكل شيء عدة يدفع بها؛ فللبغي التحرز والتحفظ؛ وللمكر الحزم والتيقظ؛ وللحسد التواضع للحاسد؛ ومداراته؛ وللكائد سد الأبواب التي يجد منها السبيل إليه؛ فرأى هذا النبي الجليل السيد الخليل أن الله أكبر من تلك العدد والأسباب؛ فاغتنى به كافيا وحسيبا؛ فكان له حافظا ورقيبا؛ فشمله بالإسعاد والإسعاف؛ فلم يحترق منه إلا موضع الكتاف؛ وفيه ندب إلى اعتقاد العجز؛ واستشعار الافتقار والاعتصام بحول الله وقوته؛ وأن الحازم لا يكل أمره إذا ابتلي ببلاء إلا إلى ربه؛ ولا يعتضد إلا به؛ وفي الخبر أنه إنما نجي بذلك؛ (فائدة): من كرامة هذه الأمة على ربها أنه أوجد فيها من وقع له كما وقع للخليل ؛ من عدم تأثير النار فيه؛ روى ابن وهب عن ابن لهيعة أن الأسود العنسي لما ادعى النبوة؛ وغلب على صنعاء؛ أخذ ذؤيب بن كليب الخولاني - وكان أسلم في عهد المصطفى - فألقاه في النار؛ فلم تضره النار؛ فذكر المصطفى ذلك لأصحابه؛ فقال عمر : " الحمد لله الذي جعل في أمتنا مثل إبراهيم الخليل" ؛ ووقع عند ابن الكلبي أنه ذؤيب بن وهب ؛ وقال في سياقه: طرحه في النار؛ فوجده حيا.

(خط)؛ في ترجمة محمد بن يزداد؛ (عن أبي هريرة )؛ الدوسي؛ (وقال)؛ أي: الخطيب: حديث (غريب)؛ أي: تفرد به حافظ؛ ولم يذكره غيره؛ ورواه عنه أيضا الديلمي هكذا؛ (والمحفوظ)؛ عند المحدثين؛ (عن)؛ أبي العباس عبد الله ؛ ( ابن عباس )؛ ترجمان القرآن؛ الذي قال فيه علي - كرم الله وجهه -: كأنما ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق؛ وأخرج ابن عساكر أنه كان يسمى " حكيم المعضلات" ؛ ولم يرو عن أحد من الصحابة في الفتوى أكثر منه؛ وعمي آخر عمره؛ كأبيه؛ وجده؛ (موقوف)؛ عليه؛ غير مرفوع؛ لكن مثله لا يقال من قبل الرأي؛ فهو في حكمه؛ وهذا الموقوف صحيح؛ فقد أخرجه البخاري في صحيحه عنه؛ بلفظ: " كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار: حسبنا الله ونعم الوكيل" ؛ وفي رواية له عنه أيضا: " حسبنا الله ونعم الوكيل؛ قالها إبراهيم حين ألقي في النار؛ وقالها محمد - صلى الله عليه وسلم - حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم؛ فاخشوهم" .



الخدمات العلمية