الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
994 - " استقيموا؛ ولن تحصوا؛ واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة؛ ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن " ؛ (حم هـ ك هق)؛ عن ثوبان ؛ (هـ طب)؛ عن ابن عمرو ؛ (طب)؛ عن سلمة بن الأكوع ؛ (صح).

التالي السابق


(استقيموا) ؛ أي: الزموا الاستقامة؛ والزموا المنهج المستقيم؛ بالمحافظة على إيفاء حقوق الحق؛ ورعاية حدوده؛ والرضا بالقضاء؛ (ولن تحصوا) ؛ ثواب الاستقامة؛ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ؛ أو لن تطيقوا أن تستقيموا حق الاستقامة؛ لعسرها؛ أو لن تطيقوها بقوتكم وحولكم؛ وإن بذلتم جهدكم؛ بل بالله؛ أو استقيموا على الطريق الحسنى؛ وسددوا وقاربوا؛ فإنكم لن تطيقوا الإحاطة في الأعمال؛ ولا بد للمخلوق من تقصير وملال؛ وكأن القصد به تنبيه المكلف على رؤية التقصير؛ وتحريضه على الجد؛ لئلا يتكل على عمله؛ ولهذا قال القاضي: أخبرهم بعد الأمر بذلك أنهم لا يقدرون على إيفاء حقه؛ والبلوغ إلى غايته؛ لئلا يغفلوا عنه؛ فكأنه يقول: لا تتكلفوا على ما تأتون به؛ ولا تيأسوا من رحمة الله ربكم فيما تذرون عجزا؛ وقصورا؛ لا تقصيرا؛ وقال الطيبي: قوله: " ولن تحصوا" ؛ إخبار واعتراض بين المعطوف؛ والمعطوف عليه؛ كما اعترض " ولن تفعلوا" ؛ بين الشرط والجزاء؛ لما أمرهم بالاستقامة؛ وهي شاقة جدا؛ تدارك بقوله: " ولن تحصوا" ؛ رأفة ورحمة منه على هذه الأمة المرحومة؛ كما قال (تعالى): فاتقوا الله ما استطعتم ؛ بعدما نزل: اتقوا الله حق تقاته ؛ أي: واجب تقواه؛ ثم نبه على ما يتيسر لهم من ذلك؛ ولا يشق عليهم؛ بقوله: (واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة) ؛ أي: فإن لم تطيقوا ما أمرتم به من الاستقامة؛ فحق عليكم أن تلزموا بعضها؛ وهو الصلاة الجامعة لكل عبادة؛ من قراءة؛ وتسبيح؛ وتكبير؛ وتهليل؛ وإمساك عن كلام البشر؛ والمفطرات؛ وهي معراج المؤمن؛ ومقربته إلى جناب حضرة الأقدس؛ فالزموها؛ وأقيموا حدودها؛ سيما مقدمتها؛ التي هي شطر الإيمان؛ فحافظوا عليها؛ فإنه لا يحافظ عليها إلا مؤمن راسخ القدم في التقوى؛ كما قال: (ولا) ؛ وفي رواية " ولن" ؛ (يحافظ على الوضوء) ؛ الظاهري؛ والباطني؛ (إلا مؤمن) ؛ كامل الإيمان؛ فالظاهري ظاهر؛ والباطني طهارة السر عن الأغيار؛ والمحافظة على المجاهدة التي يكون بها تارة غالبا؛ وتارة مغلوبا؛ أي: لن تطيقوا الاستقامة في تطهير سركم؛ ولكن جاهدوا في تطهيره مرة بعد أخرى؛ كتطهير الحدث مرة بعد أخرى؛ فأنتم في الاستقامة بين عجز البشرية؛ وبين استظهار الربوبية؛ فتكونون بين رعاية؛ وإهمال؛ وتقصير؛ وإكمال؛ ومراقبة؛ وإغفال؛ وبين جد؛ وفتور؛ كما أنكم بين حدث؛ وطهور؛ وفيه ندب إدامة الوضوء؛ وبه أخذ أصحابنا أنه يسن تجديده إذا صلى به صلاة.

(حم هـ ك) ؛ عن ثوبان ؛ وقال الحاكم : على شرطهما؛ ولا علة له سوى وهم بلال الأشعري؛ (هق؛ عن ثوبان ) ؛ قال المنذري: إسناد ابن ماجه صحيح؛ وقال الذهبي في المهذب: خرجه ابن ماجه من حديث منصور ؛ عن سالم ؛ وهو لم يدرك ثوبان ؛ وقال الحافظ العراقي في أماليه: حديث حسن؛ رواته ثقات؛ إلا أن في سنده انقطاعا بين سالم ؛ وثوبان؛ كما قال ابن حبان ؛ (هب طب؛ عن ابن عمرو ) ؛ ابن العاص؛ قال مغلطاي: إسناده لا بأس به؛ (طب؛ عن سلمة بن الأكوع ) ؛ قال الدميري: ذكره الرافعي في مجلس العشرين؛ في أماليه؛ وقال ما ملخصه: إنه حديث ثابت؛ انتهى؛ وقد عد جمع هذا الخبر من جوامع الكلم؛ وله طرق صحاح؛ وبه استدل ابن الصلاح على صلاة الرغائب؛ ونوزع في سنيتها؛ بما محله كتب الفروع.



الخدمات العلمية