الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
24 - " آية الإيمان حب الأنصار؛ وآية النفاق بغض الأنصار (حم ق ن) عن أنس ؛ (صح).

التالي السابق


(آية) ؛ وفي رواية الطبراني ؛ في الأوسط؛ من حديث أبي بكر : " آيات" ؛ وهي مبينة لكون المراد الجنس؛ (الإيمان) ؛ كلام إضافي؛ مرفوع بالابتداء؛ وخبره: (حب) ؛ بضم المهملة؛ (الأنصار) ؛ أي: علامات كمال إيمان الإنسان؛ أو نفس إيمانه؛ حب مؤمني الأوس والخزرج؛ لحسن وفائهم بما عاهدوا الله عليه؛ من إيواء نبيه؛ ونصره على أعدائه زمن الضعف والعسرة؛ وحسن جواره؛ ورسوخ صداقتهم؛ وخلوص مودتهم؛ ولا يلزم منه ترجيحهم على المهاجرين الذين فارقوا أوطانهم وأهليهم؛ وحرموا أموالهم؛ حبا له؛ وروما لرضاه؛ كما يعرف مما يجيء؛ وقوله: " آية" ؛ بهمزة ممدودة؛ ومثناة تحتية مفتوحة؛ وتاء تأنيث؛ و" الإيمان" ؛ مجرور بالإضافة؛ قال ابن حجر: هذا هو المعتمد في جميع الروايات؛ وقول العكبري: بهمزة مكسورة؛ ونون مشددة؛ وهاء؛ و" الإيمان" ؛ بالرفع؛ تصحيف فاحش؛ و" المحبة" ؛ لغة: ميل القلب إلى الشيء؛ لتصور كماله فيه؛ لكن ليس المراد بالميل هنا ما يستلذه بحواسه؛ كحسن الصورة؛ بل الميل لما يستلذه بعقله؛ إما لإحسانه؛ كجلب نفع؛ ودفع ضر؛ أو لذاته؛ كمحبة الفضل والكمال؛ ومن ثم قال القاضي: المراد بالحب هنا: العقلي؛ وهو إيثار ما يقتضي العقل رجحانه؛ وإن كان على خلاف هوى النفس؛ كالمريض يعاف الدواء بطبعه؛ فينفر عنه؛ ويميل له بعقله؛ واللام للعهد؛ أي: أنصار الرسول؛ سماهم " أنصارا" ؛ أخذا من قوله (تعالى): والذين آووا ونصروا ؛ فصار علما بالغلبة؛ وهم - وإن كانوا ألوفا - لكن استعمل فيهم جمع القلة؛ لأن اللام للعموم؛ والتفرقة إنما هي في النكرات؛ (وآية النفاق) ؛ بالمعنى الخاص؛ (بغض الأنصار) ؛ صرح به مع فهمه مما قبله؛ لاقتضاء المقام التأكيد؛ ولم يقابل الإيمان بالكفر؛ الذي هو ضده؛ لأن الكلام فيمن ظاهره الإيمان وباطنه الكفر؛ فميزه عن ذوي الإيمان الحقيقي؛ فلم يقل: " آية الكفر" ؛ لكونه غير كافرا ظاهرا؛ وخص الأنصار بهذه المنقبة العظمى؛ لما امتازوا به من الفضائل المارة؛ فكان اختصاصهم بها مظنة الحسد الموجب للبغض؛ فوجب التحذير من بغضهم؛ والترغيب في حبهم؛ وأبرز ذلك في هذين التركيبين؛ للحصر؛ لأن المبتدأ والخبر فيهما معرفتان؛ فجعل ذلك آية الإيمان؛ والنفاق؛ على منهج القصر الادعائي؛ حتى كأنه لا علامة للإيمان إلا حبهم؛ وليس حبهم إلا علامته؛ ولا علامة للنفاق إلا بغضهم؛ وليس بغضهم إلا علامته؛ تنويها بعظيم فضلهم؛ وتنبيها على كريم فعلهم؛ وإن كان من شاركهم في المعنى مشاركا لهم في الفضل؛ كل بقسطه؛ ثم إنه لا دلالة في الخبر على أن من لم يحبهم غير مؤمن؛ إذ العلامة - ويعبر عنها بالخاصة - تطرد؛ ولا تنعكس؛ فلا يلزم من عدم العلامة عدم من هي له؛ أو المراد الإيمان الكامل؛ أو يحمل البغض على التقييد بالجهة؛ فبغضهم من جهة كونهم أنصار المصطفى - صلى الله عليه وسلم -؛ لا يجامعه التصديق؛ فيكون من أبغضهم منافقا حقيقيا؛ أو اللفظ خرج مخرج الزجر والتحذير؛ كما يشهد له ما مر من مقابلة الإيمان بالنفاق؛ دون ضده؛ إرشادا إلى أن المخاطب بالترغيب؛ والترهيب؛ مظهر الإيمان؛ لا الكفر؛ لارتكابه أقبح من ذلك؛ وقول ابن المنير: المراد حب جميعهم؛ وبغض جميعهم؛ لأن ذلك إنما يكون للدين؛ وأما من أبغض بعضهم لمعنى يسوغ البغض له؛ فغير داخل في ذلك؛ تعقبه المؤلف؛ (تنبيه) : قال الذهبي : أبناء الأنصار ليسوا من الأنصار؛ كما أن أبناء المهاجرين ليسوا من المهاجرين؛ ولا أولاد الأنبياء بأنبياء؛ ويوضحه حديث: " اللهم اغفر للأنصار؛ ولأبناء الأنصار؛ ولأبناء أبناء الأنصار" ؛ قال: وبغض الأنصار من الكبائر.

(حم ق) ؛ في الإيمان؛ (ن) ؛ كلهم (عن أنس ) ؛ ابن مالك .



الخدمات العلمية