وقوله تعالى : وما يعزب عن ربك   [يونس : 61] ؛ أي : ما يغيب عن علمه من مثقال ذرة  ؛ أي : نملة حمراء ، التي هي خفيفة الوزن جدا . 
في الأرض ولا في السماء  ؛ أي : في دائرة الوجود والإمكان . 
وإنما عبر عنها بها ، مع أنه سبحانه لا يغيب عنه شيء ، لا فيهما ، ولا فيما هو خارج عنهما ؛ لأن الناس لا يشاهدون سواهما ، وسوى ما فيهما من المخلوقات . وقدم الأرض على السماء ؛ لأنها محل استقرار العالم ، فهم يشاهدون ما فيها من قرب . 
وقال تعالى : ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب   [الأنعام : 50] أي : ولا أدعي أني أعلم بغيب الله . 
فيه إنكار عن علمه صلى الله عليه وسلم بالغيب ، وهو نص في موضع النزاع ، وقد تقدم قريبا . 
وقال تعالى : تلك   [هود : 49] ؛ أي : قصة نوح  عليه السلام من أنباء الغيب  ؛ أي : من جنسها . 
والأنباء جمع نبأ ، وهو الخبر نوحيها إليك  ، والمجيء بالمضارع لاستحضار الصورة ما كنت  يا محمد تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا  ؛ أي : الوحي أو القرآن فاصبر إن العاقبة للمتقين   . 
فيه نفي علم الغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن العرب  ، وغيرهم مثلهم في ذلك.  [ ص: 426 ] 
وقال تعالى : ولله غيب السماوات والأرض   [هود : 123] ؛ أي : علم جميع ما هو غائب عن العباد فيهما . 
وخص الغيب ، مع كونه يعلم بما هو مشهود ، كما يعلم بما هو مغيب ؛ لكونه من العلم الذي لا يشاركه فيه غيره . قاله في «فتح البيان » . 
وإليه يرجع الأمر كله  ؛ أي : أمر الخلق كلهم ، في الدنيا والآخرة ، يوم القيامة ، فيجازي كلا بعلمه . 
فاعبده  ولا تعبد غيره ؛ فإن عبادة الغير ، وإثبات علم الغيب له شرك به تعالى وتوكل عليه  ، قيل: هذا الخطاب له صلى الله عليه وسلم، ولجميع خلقه ، مؤمنهم وكافرهم . 
وفي تأخير الأمر بالتوكل عن الأمر بالعبادة إشعار بأنه لا ينفع دونها . 
قال كعب الأحبار   : فاتحة التوراة فاتحة الأنعام ، وخاتمتها خاتمة هود ؛ يعني : هذه الآية : ولله  إلخ . 
وقال تعالى : ذلك   [يوسف : 102-103] المذكور من أمر يوسف  عليه السلام من أنباء الغيب  ؛ أي : أخباره نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون  فيه نفي علم الغيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 
وما أكثر الناس ولو حرصت  على هدايتهم ، وبالغت في ذلك بمؤمنين  بالله ؛ لتصميمهم على الشرك الذي هو دين آبائهم ، وعلى الكفر . 
وقد وجد ما ذكره الله تعالى هاهنا من عدم إيمانهم بتوحيد الألوهية في كل زمان ، سيما في هذا الزمان الأخير الذي ظهر فيه الفساد في البر والبحر . 
				
						
						
