الباب الرابع في سيرته- صلى الله عليه وسلم- في خطبته- صلى الله عليه وسلم 
وفيه أنواع : 
الأول : في استقباله- صلى الله عليه وسلم- وقت الخطبة .  
روى  الترمذي  عن  ابن مسعود-  رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا استوى على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم»  . 
روى  ابن ماجه  عن عدي بن ثابت الأنصاري  عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم  . 
الثاني : في سلامه- صلى الله عليه وسلم- على الناس قبل صعوده المنبر ، وإذا صعده .  
قال في «زاد المعاد» : كان- صلى الله عليه وسلم- إذا صعد المنبر ، أقبل بوجهه على الناس ، ثم قال : 
«السلام عليكم»  . 
وروى  البيهقي  عن  جابر بن عبد الله-  رضي الله تعالى عنهما- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صعد المنبر سلم»  . 
وروى  الضياء  في «المختارة» عن  ابن عمر-  رضي الله تعالى عنهما- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل المسجد يوم الجمعة ، سلم على من عند المنبر فإذا صعد المنبر سلم على الناس»  . 
الثالث : في خطبته- صلى الله عليه وسلم- قائما وجلوسه ثم خطبته وإشارته بأصبعه ورفع صوته .  
قال في «زاد المعاد» : «كان- صلى الله عليه وسلم- يخطب قائما ، وكان إذا خطب احمرت عيناه ، وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول : صبحكم ومساكم» ويقول : «بعثت أنا والساعة كهاتين» ويقرن بين أصبعيه السبابة ، والوسطى .  [ ص: 216 ] 
ويقول : «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ،  وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة»  . 
وروى ابن سعد ،  عن  جابر بن عبد الله-  رضي الله تعالى عنهما- قال : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا خطب الناس احمرت عيناه ، ورفع صوته ، واشتد غضبه كأنه منذر جيش صبحتكم أو مسيتكم ثم يقول : «بعثت أنا والساعة كهاتين» وأشار بالسبابة والوسطى ثم يقول : 
«أحسن الهدي هدي محمد  وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ، من مات وترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي» . 
وروى الإمام  أحمد  عن  أبي سعيد-  رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب قائما على رجليه»  . 
وروى الإمام  أحمد ،   ومسلم ،   وأبو داود ،   والنسائي ،   وابن ماجه ،  عن  جابر بن سمرة-  رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب قائما ثم يجلس ، ثم يقوم فيخطب قائما يقرأ القرآن ويذكر الناس ، فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب ، فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة  . 
وروى الإمام  أحمد ،   والطبراني ،  ورجاله ثقات ،  والبزار  عن  ابن عباس-  رضي الله تعالى عنهما- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة قائما ثم يقعد ثم يقوم يخطب»  . 
ولفظ  البزار  «كان- صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة خطبتين يفصل بينهما بجلسة»  . 
وروى الشيخان ،  وأبو داود ،   والنسائي ،  عن  ابن عمر-  رضي الله تعالى عنهما- قال : كان رسول - صلى الله عليه وسلم- يخطب خطبتين ، كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب ، ثم يجلس فلا يتكلم ثم يقوم فيخطب  . 
وروى  النسائي ،   وابن ماجه  عنه- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم-  [ ص: 217 ] يخطب قائما ، يقعد قعدة ، ثم يقوم»  . زاد  ابن ماجه :  «فيقرأ آيات ويذكر الله ، وكانت خطبته قصدا وصلاته قصدا» . 
وروى  سمويه  في «فوائده»  وابن المنذر ،   وابن مردويه  عن  سهل بن سعد-  رضي الله تعالى عنه قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا خطب الناس أو علمهم ، لا يدع هذه الآية أن يتلوها» . وفي رواية : ما جلس على هذا المنبر قط إلا تلا هذه الآية : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا  يصلح لكم أعمالكم  إلى قوله فقد فاز فوزا عظيما   [الأحزاب 7] . 
وروى  ابن أبي الدنيا  في كتاب التقوى ، عن  عائشة-  رضي الله تعالى عنها- قالت : «ما قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على المنبر إلا سمعته يقول : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا   . ورواه الإمام  أحمد ،  والثلاثة عن عمارة بن رويبة-  براء وموحدة مصغرا ، أنه رأى بشر بن مروان  على المنبر رافعا يديه فقال : قبح الله تيك اليدين ، فقد رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما كان يزيد عن أن يقول بيديه هكذا وأشار بأصبعه السبابة  . 
وروى  أبو داود ،   وابن حبان ،   والحاكم  عن  سهل بن سعد-  رضي الله تعالى عنه- قال : 
ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شاهرا يديه قط يدعو على منبر ولا غيره ، ولكن رأيته يقول هكذا ، وأشار بالسبابة وعقد الوسطى بالإبهام  . 
وروى الإمام  أحمد ،   وأبو يعلى ،   والحاكم ،   والبيهقي ،  عن  البراء بن عازب-  رضي الله تعالى عنه- قال : خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى أسمع العواتق في بيوتهن ، أو قال : في خدورها ، فقال : «يا معشر من آمن بلسانه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم ، فإن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته»  . 
الرابع : في اعتماده- صلى الله عليه وسلم- في الخطبة على قوس أو عصا .  
قال في «زاد المعاد : » كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا قام يخطب أخذ عصا فتوكأ عليها وهو على المنبر . كذا ذكر  أبو داود ،  «وكان أحيانا يتوكأ على قوس . ولم يحفظ عنه أنه توكأ على سيف» . 
وروى  أبو داود  عن الحكم بن حزن الكلفي-  رضي الله عنه- قال : «شهدنا الجمعة مع  [ ص: 218 ] رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقام متوكئا على قوس أو عصا ، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات»  . 
وروى الإمام  الشافعي  عن  ابن جريج  قال : «قلت لعطاء :  أكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقوم على عصا ؟ قال : نعم يعتمد عليها اعتمادا»  . 
وروى الإمام  أحمد ،   وابن ماجه ،  عن سعد بن عائذ :  سعد القرظ  مؤذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أنه- صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب في الحرب خطب على قوس وإذ خطب في الجمعة خطب على عصا»  . 
وروى  الطبراني  عن  عبد الله بن الزبير-  رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يخطب بمخصرة»  . 
وروى  الطبراني  عن  ابن عباس-  رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يخطبهم في السفر متكئا على قوس»  . 
الخامس : في قطعه- صلى الله عليه وسلم- الخطبة ونزوله لأمر .  
قال في «زاد المعاد» : «كان- صلى الله عليه وسلم- إذا عرض له في خطبته عارض اشتغل به ثم رجع إلى خطبته ، وكان يخطب فجاء الحسن   والحسين  يعثران في قميصين أحمرين فقطع كلامه فنزل ، فحملهما ثم عاد إلى المنبر ، ثم قال : «صدق الله تعالى : إذ يقول إنما أموالكم وأولادكم فتنة  
رأيت هذين يعثران في قميصيهما فلم أصبر حتى قطعت كلامي فحملتهما»  . 
وروى الإمام  أحمد ،   والترمذي ،  وحسنه ،  والضياء ،   والحاكم  في الأحكام- وقال إسناده على شرط  مسلم-  عن بريدة-  رضي الله تعالى عنه- قال : خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأقبل الحسن   والحسين-  رضي الله تعالى عنهما- عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان . 
وفي لفظ : يمشيان ويعثران فنزل فأخذهما . 
وفي لفظ : فحملهما ووضعهما بين يديه ، فصعد بهما ثم قال : «صدق الله تعالى إنما أموالكم وأولادكم فتنة  رأيت هذين فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما» .  [ ص: 219 ] 
وروى الإمام  أحمد ،   ومسلم ،   والنسائي ،  عن أبي رفاعة العدوي ، واسمه تميم بن أسيد-  رضي الله تعالى عنه- قال : انتهيت ولفظ  النسائي :  دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب ، فقلت : «يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه ، لا يدري ما دينه ؟ قال : فأقبل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وترك خطبته حتى إذا انتهى إلي ، فأتي بكرسي حسبت قوائمه حديدا فقعد عليه وجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى الخطبة فأتمها»  . زاد الإمام  أحمد :  «رأى خشبا أسود حسبه حديدا ، وذكره  النسائي  بلفظ : أتي بكرسي من خلب قوائمه من حديد ، والخلب : 
الليف» . 
السادس : في كلامه- صلى الله عليه وسلم- بعض أصحابه في أمر شرعي حال الخطبة .  
روى الجماعة ، إلا الإمام  مالك ،  عن  جابر-  رضي الله تعالى عنه- قال : دخل سليك الغطفاني  يوم الجمعة ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب ، فقعد قبل أن يصلي ، قال : «صليت ؟ » قال : 
لا قال : «فصل ركعتين»  . 
وروى  الدارقطني  وضعفه عن  أنس-  رضي الله تعالى عنه- قال : دخل رجل من قيس  المسجد- ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «قم فاركع ركعتين ، وأمسك عن الخطبة حتى فرغ من صلاته»  . 
وروى الإمام  الشافعي-  واللفظ له- والإمام  أحمد ،   والترمذي ،   والنسائي ،   وابن ماجه ،  عن  أبي سعيد-  رضي الله [تعالى] عنه قال : رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب وجاء رجل [فدخل المسجد] بهيئة بذة فقال : «أصليت ؟ » قال : لا . قال : «فصل ركعتين» ، قال : فصلى ركعتين ، قال : ثم حث الناس على الصدقة فألقوا ثيابا ، فأعطى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منها الرجل ثوبين . 
فلما كانت الجمعة الأخرى جاء الرجل والنبي- صلى الله عليه وسلم- يخطب ، فقال : له النبي- صلى الله عليه وسلم- «أصليت ؟ » قال : لا قال : «فصل ركعتين» ثم حث على الصدقة فطرح الرجل أحد ثوبيه ، فصاح النبي- صلى الله عليه وسلم- : «خذه خذه» ، ثم قال : «انظروا إلى هذا ، جاء تلك الجمعة بهيئة بذة ، فأمرت الناس بالصدقة فطرحوا ثيابا فأعطيته منها ثوبين ، فلما جاءت الجمعة الأخرى أمرت الناس بالصدقة فألقى أحد ثوبيه» ، ورجاله موثقون .  [ ص: 220 ] 
وروى  الطبراني  في الكبير عن  جابر-  رضي الله تعالى عنه- قال : «دخل النعمان بن قوقل  ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «صل ركعتين تجوز فيهما»  . 
وروى  ابن ماجه ،  عن  جابر بن عبد الله-  رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا دخل المسجد ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب ، فجعل يتخطى رقاب الناس ، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «اجلس فقد آذيت وآنيت»  . 
وروى الإمام  أحمد ،   وأبو داود ،   والنسائي ،  عن  عبد الله بن بسر-  رضي الله تعالى عنه- قال : جاء رجل ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «اجلس فقد آذيت وآنيت»  . 
وروى  أبو داود  عن  جابر-  رضي الله تعالى عنه- قال : لما استوى رسول الله على المنبر ، قال : «اجلسوا» فسمع ذلك  ابن مسعود  فجلس على باب المسجد فرآه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : «تعال يا عبد الله بن مسعود»   . 
وروى الإمام  أحمد  عن  قيس بن أبي حازم  عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال : «رآني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب وأنا في الشمس فأمرني فتحولت»  . 
السابع : في شربه- صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة على المنبر ليري الناس أنه لا يصومه .  
روى  ابن أبي شيبة ،   وأحمد بن منيع ،  عن جنادة الأزدي   - رضي الله تعالى عنه- قال : دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سبعة من الأزد ، أنا منهم يوم الجمعة وهو يتغدى فدعانا إلى طعامه ، فقلنا : إنا صيام فأمرنا فقال : «أصمتم أمس ؟ » قلنا : لا . قال : «أفتصومون غدا ؟ » قلنا : 
لا ، قال : «فأفطروا» ، فأكلنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من طعامه ، فلما خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصعد المنبر ، دعا بماء فشربه وهو على المنبر يري الناس أنه لا يصوم يوم الجمعة»  .  [ ص: 221 ] 
الثامن : في وقوفه- صلى الله عليه وسلم- مع من يكلمه بعد نزوله من المنبر وقبل الصلاة .  
روى الإمام  أحمد ،  والأربعة عن  أنس-  رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ينزل من المنبر يوم الجمعة ، فيكلمه الرجل في حاجته ، فيكلمه ، ثم يتقدم إلى مصلاه»  . 
وقال  أبو داود :  ليس بمتصل عن ثابت  تفرد به جرير بن حازم .  
وقال  الترمذي :  سمعت محمدا يعني : البخاري  يقول : «وهم جرير بن حازم  في هذا الحديث . والصحيح ما روي عن ثابت  عن  أنس  قال : أقيمت الصلاة فأخذ رجل بيدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فما زال يكلمه حتى نعس بعض القوم»  .  [ ص: 222 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					