فصل :  
وإذ قد مضت الدعوى على المنفرد ، فالحالة الثانية أن تكون الدعوى عليه مع جماعة شاركوه فيه . فيقول : قتله هذا مع جماعة ، فيسأل عن عددهم لاختلاف الحكم بقلة الشركاء وكثرتهم ، ولا يلزم التعين عليهم بأسمائهم ، وإن كان تعينهم مع ذكر عددهم أوكد وأحوط . وله حالتان :  
إحداهما : أن يذكر عددهم .  
والثانية : أن لا يذكر العدد . فإن ذكر عددهم ، فقال : هذا واثنان معه . سأل هل شاركاه عمدا أو خطأ ؟ لأن شركة الخاطئ تسقط القود عن العامد .  
وله في الجواب ثلاثة أحوال :  
أحدها : أن يقول : شاركاه عمدا .  
والثاني : أن يقول : شاركاه خطأ .  
والثالث : أن لا يعلم صفة شركتهما له ، هل كانت عمدا أو خطأ ؟ فإن وصف      [ ص: 34 ] الشركة بالعمد ، سئل لحاضر المدعى عليه ، فإن أقر وجب عليه القود .  
وإن  أنكر ولا لوث   ، حلف وبرئ ، وإن كان لوث أحلف المدعي خمسين يمينا ، وإن كان على واحد من ثلاثة : لأن الحق في القسامة لا يثبت إلا بها ، وهل يحكم له بالقود أم لا ؟ على قولين وإن وصف الشركة بالخطأ ، لم يحكم له بالقود إذا أقسم قولا واحدا . وكذلك إذا لم يعلم صفة الشركة هل كانت عمدا أو خطأ ؟ لجواز أن تكون خطأ ، فلا يحكم بالقود مع الشك ، وحكم له بثلث الدية المغلظة حالة في مال الجاني : لأنها مستحقة عن عمد على كل واحد من ثلاثة . وإن حضر ثان بعد القسامة على الأول لم يكن الحكم بها على الأول حكما على الثاني ، وسأل الثاني عنها ، فإن أقر وكان عامدا اقتص منه ، وإن كان خاطئا وجب ثلث الدية عليه دون عاقلته : لأن العاقلة لا تتحمل اعتراف الجاني .  
وإن أنكر الثاني : نظر فيه هل كان مشاركا في اللوث أو غير مشارك فيه ، فإن كان غير مشارك في اللوث : لأن الأول كان في دار المقتول والثاني لم يكن فيها ، لم يحكم بالقسامة في الثاني وإن حكم بها في الأول : لأن لكل واحد منهما حكم نفسه ، فيبدأ بيمين المدعي في الأول ويمين المدعى عليه في الثاني . وإن كان مشاركا في اللوث لوجوده مع الأول في دار المقتول ، أقسم المدعي على الثاني ، وفي عدد ما يقسم به على الثاني وجهان :  
أحدهما : خمسون يمينا كالأول .  
والوجه الثاني : خمسة وعشرون . يمينا واختاره  أبو إسحاق المروزي      : لأن حصته من الخمسين لو حضر مع الأول خمسة وعشرون يمينا فإن وصف قتله بالعمد ففي وجوب القود عليه بعد القسامة ، قولان : وإن وصفه بالخطأ فقسطه من الدية على عاقلته ، لوجوبها بالقسامة .  
وإن  جهل المدعي صفة قتله   ، ففي جواز القسامة عليه وجهان :  
أحدهما : لا تجوز القسامة عليه : للجهل بموجبها ؛ لأن دية العمد عليه ، ودية الخطأ على عاقلته .  
والوجه الثاني : - وهو محكي عن  أبي إسحاق المروزي      - : تجوز القسامة عليه : لأن الجهل بصفة القتل لا يكون جهلا بأصل القتل .  
فإذا أقسم الولي المدعي حبس الثاني حتى يبين صفة القتل ، هل كانت عمدا أو خطأ ، فإن تطاول حبسه ولم يبين ، أحلف ما قتله عمدا ، ولزم دية الخطأ في ماله مؤجلة وفي تغليظ هذه اليمين عليه بالعدد وجهان ؛ فإن حضر الثالث بعد الثاني كان كحضور      [ ص: 35 ] الثاني بعد الأول ، فيكون حكمه على ما ذكرناه في الثاني ، إلا في شيء واحد ؛ وهو أنه إذا أقسم الولي المدعي ، وقلنا : تقسم الأيمان بالحصة ، حلف الثالث سبعة عشر يمينا هي ثلثها بعد جبر كسرها : لأنه أحد ثلاثة ، لو اجتمعوا لكانت حصته من الخمسين ثلثها ، هذا حكمه إذا ذكر المدعي عدد الشركاء في القتل .  
فأما إذا لم يذكر عددهم ، لم تخل دعواه من أن تكون في قتل عمد أو خطأ فإن كانت في خطأ ، لم تكن له القسامة : لأنه جاهل بقدر ما يستحقه منها ؛ لأنه إن شارك واحدا استحق عليه نصف الدية ، وإن كانوا عشرة استحق عليه عشرها ، وإن كان عمدا يوجب القود ، فإن قلنا : إنه لا قود في القسامة على قوله في الجديد ، فلا قسامة : لأن موجبها الدية وقدر استحقاقه منها مجهول كالخطأ .  
وإن قلنا بوجوب القود في القسامة على قوله في القديم ، ففي جواز القسامة وجهان :  
أحدهما : تجوز ويقسم بها المدعي : لأن القود استحق على الواحد إذا انفرد كاستحقاقه عليه في مشاركة العدد .  
والوجه الثاني : وهو قول  أبي إسحاق المروزي   وأبي علي بن أبي هريرة      : لا يجوز أن يقسم : لأنه قد يعفو عن القود إلى الدية ، فلا يعلم قدر استحقاقه منها ، والحكم يجب أن يكون قاضيا بما ينفصل به التنازع .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					