الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            وأما الضرب الثاني : وهو إذا لم يحضر مدعي السرقة وكان غائبا عنها ، فإن لم يكن من السارق إقرار ولا قامت بها بينة ، لم يعترض فيها للسارق بقطع ولا غرم ، ولا يؤخذ بالتهمة في الحكم إلا بما يقوم به أصحاب الريب من زواجر التأديب الذي يتولاه ولاة المعاون دون الحكام . وإن ثبتت السرقة ، فلثبوتها وجهان : بينة ، وإقرار . فإن ثبتت ببينة شهدت عليه بالسرقة ، فالذي نص عليه في السرقة : أنه لا يقطع حتى يحضر الغائب فيدعيها . وقال في الأم : إذا قامت على رجل البينة أنه زنا بها وسيدها غائب ، أنه يحد ولا يوقف على حضور سيدها . فخالف بين قطع السرقة وحد الزنا في الأمة ، فاختلف أصحابنا باختلاف هذين النصين على ثلاثة مذاهب :

                                                                                                                                            أحدها : وهو قول أبي العباس بن سريج ، وأبي علي بن أبي هريرة أن الجواب في قطع السرقة وحد الزنا واحد ، يوقفان معا على حضور المسروق منه وحضور سيد الأمة ، فإن ادعيا ذلك قطع السارق وحد الزاني ، وإن أنكراه أو ذكرا شبهة له في الملك أو الفعل لم يقطع السارق ولم يحد الزاني . وزعم قائل هذا الوجه : أن المنقول عن الشافعي في حد الزاني بالأمة سهو من ناقله : لأن الحدود تدرأ بالشبهات .

                                                                                                                                            والمذهب الثاني : هو قول أبي إسحاق المروزي : أن الجواب في كل واحد منهما منقول إلى الآخر ، ويكونان على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : يقطع السارق ويحد الزاني على ما نص عليه في حد الزنا : لما فيها من حقوق الله تعالى التي لا يجوز إضاعتها .

                                                                                                                                            والقول الثاني : لا يقطع السارق ولا يحد الزاني ، على ما نص عليه في قطع [ ص: 337 ] السارق : لما تحملهما من الشبهة التي يدرأ بها الحدود .

                                                                                                                                            والمذهب الثالث : وهو قول أبي الطيب بن سلمة ، وأبي حفص بن الوكيل أن الجواب على ظاهر نصه فيه ، فيحد الزاني قبل حضور السيد ، ولا يقطع السارق قبل حضور المسروق منه .

                                                                                                                                            والفرق بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن المال يستباح بالإباحة ، والوطء لا يستباح ، وكانت الشبهة في السرقة أقوى .

                                                                                                                                            والثاني : أن القطع في السرقة تابع لحق الآدمي ، فكان موقوفا على حضوره . وحق الزنا خالص لله تعالى ، فلم يوقف بعد ثبوته على حضور من لا حق له فيه . وإن ثبتت السرقة والزنا بإقرار السارق والزاني ، فقد اختلف أصحابنا على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي حامد الإسفراييني أنه كثبوته بالشهادة . فيكون على ما تقدم من المذاهب الثلاثة : لأن الحدود تستوفى بكل واحد منها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة والصحيح عندي أنهما يستوفيان فيقطع السارق ويحد الزاني وجها واحدا ، ولا يوقف على حضور السيد والمسروق منه .

                                                                                                                                            والفرق بين البينة والإقرار من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : قوة الشبهة في الشهادة وضعفها في الإقرار .

                                                                                                                                            والثاني : أن إقراره على نفسه أقوى من شهادة غيره عليه ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية