الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وإن أكرهها على الزنا فعليه الحد دونها ومهر مثلها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا استكره امرأة على نفسها حتى زنا بها ، وجب الحد عليه دونها ، وهو متفق عليه : لرواية الحجاج بن أرطأة ، عن عبد الجبار بن [ ص: 240 ] وائل بن حجر ، عن أبيه ، أن امرأة استكرهت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدرأ الحد عنها ، وحد الزاني بها .

                                                                                                                                            فأما المهر فمختلف في وجوبه ، فمذهب الشافعي : أن عليه لها مهر مثلها .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا مهر عليه : احتجاجا بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مهر البغي ، رواه بالتسكين ، والبغي الزنا ، وهذا زنا . قال : ولأنه وطء وجب به الحد على الواطئ ، فوجب أن يسقط عنه المهر كالمطاوعة .

                                                                                                                                            قال : ولأن الحد يجب مع انتفاء الشبهة ، والمهر يجب مع وجود الشبهة ، فامتنع اجتماعهما .

                                                                                                                                            ودليلنا : قول النبي صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها ، فنكاحها باطل ، فإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها وهذا مستحل لفرجها ، فوجب أن يلزمه مهرها .

                                                                                                                                            فإن قيل : إنما لزمه المهر في العقد الفاسد . قيل : كل ما ضمن بالبدل من العقد الفاسد ضمن بالغصب والإكراه كالأموال : لأنه وطء في غير ملك ، فإذا سقط به الحد عن الموطوءة وجب به المهر على الواطئ ، كالواطئ بالشبهة ، ولأنه لما وجب المهر للموطوءة بنكاح فاسد كان وجوبه للمستكرهة أولى من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن المنكوحة مع علمها عاصية ، والمستكرهة غير عاصية .

                                                                                                                                            والثاني : أن المنكوحة ممكنة ، والمستكرهة غير ممكنة .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن نهيه عن " مهر البغي " : فالرواية المشهورة البغي بالتشديد ، يعني الزانية ، وليست هذه الزانية .

                                                                                                                                            ولا دليل أيضا لمن روى بالتحفيف - يعنى الزنا - : لأن هذا الوطء زنا في حق من حد ، وليس زنا في حق من لم يحد .

                                                                                                                                            وأما قياسهم على المطاوعة فالمعنى فيه : وجوب الحد عليها .

                                                                                                                                            وأما استحالة وجوب الشبهة وعدمها في الفعل الواحد : فهو مستحيل في حق [ ص: 241 ] الواحد ، وليس بمستحيل في حق الاثنين ، كما لم يستحل أن يجب الحد على الواطئ ويسقط الحد عن الموطوءة .

                                                                                                                                            وجملته أن الذي يختص بالرجل ثلاثة أحكام : الحد ، والمهر ، والنسب .

                                                                                                                                            وأما النسب : فيعتبر به شبهة الواطئ دون الموطوءة ، فإن كانت له شبهة لحق به ، وإن لم يكن له شبهة لم يلحق به .

                                                                                                                                            وأما المهر : فيعتبر به شبهة الموطوءة دون الواطئ ، فإن كان لها شبهة وجب لها ، وإن لم يكن لها شبهة لم يجب .

                                                                                                                                            وأما الحد فيعتبر به شبهة كل واحد منهما ، فإن كانت لهما شبهة سقط الحد عنهما ، وإن لم يكن لها شبهة وجب الحد عليها ، وإن كانت لأحدهما شبهة دون الآخر وجب على من انتفت عنه الشبهة ، وسقط عمن لحقت به الشبهة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية