الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            فإذا ثبت أن قتلهم بعد الإسار محظور ، فهم ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكونوا من أهل الجهاد أحرارا بالغين ، فيدعوا إلى البيعة على الطاعة ، فإن أجابوا إليها وبايعوا الإمام عليها ، أطلقوا ولم يجز حبسهم ، ولم يلزم أخذ رهائنهم ولا إقامة كفلائهم ، ووكلوا إلى ما تظاهروا به من الطاعة ، ولم يستكشفوا عن ضمائرهم .

                                                                                                                                            وإن امتنعوا من بيعة الإمام على طاعته ، حبسوا إلى انجلاء الحرب . واختلف أصحابنا في علة حبسهم على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن العلة في حبسهم امتناعهم من وجوب البيعة عليهم ، ومن امتنع من واجب عليه حبس به كالديون . وهذا قول أبي إسحاق المروزي .

                                                                                                                                            فعلى هذا : يكون حبسهم واجبا على الإمام ، وهو مقتضى قول الشافعي في القديم : لأنه قال فيه : يحبسون .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن العلة في حبسهم أن تضعف مقاتلة البغاة بهم ، وهذا أصح التعليلين .

                                                                                                                                            [ ص: 122 ] لأنهم لو حبسوا لوجوب البيعة لما جاز إطلاقهم بعد انجلاء الحرب إلا بها .

                                                                                                                                            فعلى هذا : يكون حبسهم موكولا إلى رأي الإمام واجتهاده ، وهو مقتضى قول الشافعي في الجديد : لأنه قال فيه : رجوت أن يسع .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون الأسرى من غير أهل الجهاد كالنساء والعبيد والصبيان ، فلا يجوز حبسهم على البيعة : لأنه لا بيعة على النساء والعبيد إلا في الإسلام دون الجهاد ، لوجوب الإسلام عليهم وسقوط الجهاد عنهم . والصبيان لا بيعة عليهم في الإسلام ولا في الجهاد ، وهذا معنى قول الشافعي : ويختلفون في الإسار .

                                                                                                                                            فإذا لم يجز حبسهم على البيعة ، فقد اختلف أصحابنا في جواز حبسهم لإضعاف البغاة على وجهين ، بناء على اختلاف العلتين في حبس أهل الجهاد منهم : أحدهما : لا يحبسون إذا قيل : إن علة حبسهم وجوب البيعة عليهم .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يحبسون إذا قيل : إن علة حبسهم إضعاف البغاة بهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية