الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 73 ] باب الشهادة على الجناية .

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " ولا يقبل في القتل وجراح العمد والحدود سوى الزنا ، إلا عدلان "

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما الشهادة فتنقسم على أقسام - موضع استيفائها ، كتاب الشهادات - ونحن نذكر في هذا الموضع ما اختص به من الشهادة في الجنايات . والجنايات ضربان : عمد يوجب القصاص ، وخطأ يوجب المال ، فأما العمد الموجب للقصاص فلا تثبت البينة فيه إلا بشاهدين ، ولا يثبت بشاهد وامرأتين ، كالحدود ، وسواء كان في نفس أو فيما دون النفس .

                                                                                                                                            وقال الحسن البصري : لا يقبل في النفس إلا أربعة شهود كالزنى : لأنها إماتة نفس ، ويقبل فيما دونها شاهدان ، كالحدود . وقال مالك : يقبل فيما قل من الجراح شاهد وامرأتان ، ولا يقبل فيما كثر إلا شاهدان : لخفة القليل وتغليظ الكثير ، وكلا القولين خطأ . والدليل عليهما أن الله تعالى نص في كتابه على ثلاث شهادات ، خالف بين أحكامها وجعلها أصولا لما أغفله : ليكون المغفل فرعا ملحقا بأصله فيها ، فنص على أربعة شهود في الزنى ، ونص على شاهدين في الطلاق والرجعة ، ونص على شاهد وامرأتين في الأموال ، وأغفل الشهادة في الجنايات فصارت فرعا لإحداها ، فلم يجز أن تحمل على الزنى : لأنه لما لم تحمل عليه فيما دون النفس ، لم تحمل عليه في النفس ، لوجوب تساويهما ، كما استوى حكم الزنى في ما أوجب الرجم وما أوجب الجلد ، فبطل به قول الحسن . ولم يجز أن يحمل على الأموال : لأنه لما لم يحمل عليها فيما كثر لم تحمل عليها فيما قل : لاستواء حكم الأموال فيما قل وكثر ، فبطل بهذا قول مالك . فلم يبق إلا الأصل الثالث وهو الشاهدان في الطلاق والرجعة فيما كثر وقل ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية