فصل : وأما الفصل الثاني وهو
nindex.php?page=treesubj&link=25582تأثير السحر .
فقد ذهب قوم ممن ضعفت في العلم مخابرهم ، وقلت فيه معرفتهم إلى أن الساحر قد يقلب بسحره الأعيان ، ويحدث به الأجسام ، ويجعل الإنسان حمارا بحسب ما هو عليه من قوة السحر وضعفه ، وهذا واضح الاستحالة من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه لو ثبت على هذا لصار خالقا وهو مخلوق ، ورازقا وهو مرزوق ، وربا وهو مربوب ، وشارك الله تعالى في قدرته وعارضه في حكمته .
[ ص: 96 ] والثاني : أنه لو قدر على هذا في غيره لقدر عليه في نفسه ، فيردها إلى الشباب بعد الهرم ، وإلى الوجود بعد العدم ، ويدفع الموت عن نفسه ، فصار من المخلدين وباين جميع المخلوقين . والثالث : أنه يؤدي إلى إبطال جميع الحقائق ، وأن لا يقع فرق بين الحق والباطل ، ولجاز أن تكون جميع الأجسام مما قلبت السحرة أعيانها ، فيكون الحمار إنسانا والإنسان حمارا . فإذا وضحت استحالة هذا القول بما ذكرنا ، فالذي يؤثره السحر عند
الشافعي وجماعة الفقهاء أن يوسوس ويمرض وربما قتل : لأن السحر تخييل ، كما قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=66يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى [ طه : 66 ] ، والتخييل بدو الوسوسة ، والوسوسة بدو المرض ، والمرض بدو التلف ، فإذا قوي التخييل حدث عنه الوسوسة ، وإذا قويت الوسوسة حدث عنها المرض ، وإذا قوي المرض حدث عنه التلف ، فيكون أول مبادئه التخييل ثم الوسوسة ثم المرض ثم التلف ، وهو غايته فهذه آثار السحر .
فَصْلٌ : وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=25582تَأْثِيرُ السِّحْرِ .
فَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ مِمَّنْ ضَعُفَتْ فِي الْعِلْمِ مَخَابِرُهُمْ ، وَقَلَّتْ فِيهِ مَعْرِفَتُهُمْ إِلَى أَنَّ السَّاحِرَ قَدْ يَقْلِبُ بِسِحْرِهِ الْأَعْيَانَ ، وَيُحَدِثُ بِهِ الْأَجْسَامَ ، وَيَجْعَلُ الْإِنْسَانَ حِمَارًا بِحَسَبَ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ قُوَّةِ السِّحْرِ وَضَعْفِهِ ، وَهَذَا وَاضِحُ الِاسْتِحَالَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ عَلَى هَذَا لَصَارَ خَالِقًا وَهُوَ مَخْلُوقٌ ، وَرَازِقًا وَهُوَ مَرْزُوقٌ ، وَرَبًّا وَهُوَ مَرْبُوبٌ ، وَشَارَكَ اللَّهَ تَعَالَى فِي قُدْرَتِهِ وَعَارَضَهُ فِي حِكْمَتِهِ .
[ ص: 96 ] وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى هَذَا فِي غَيْرِهِ لَقَدَرَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ ، فَيَرُدُّهَا إِلَى الشَّبَابِ بَعْدَ الْهِرَمِ ، وَإِلَى الْوُجُودِ بَعْدَ الْعَدَمِ ، وَيَدْفَعُ الْمَوْتَ عَنْ نَفْسِهِ ، فَصَارَ مِنَ الْمُخَلَّدِينَ وَبَايَنَ جَمِيعَ الْمَخْلُوقِينَ . وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى إِبْطَالِ جَمِيعِ الْحَقَائِقِ ، وَأَنْ لَا يَقَعَ فَرْقٌ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، وَلَجَازَ أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ الْأَجْسَامِ مِمَّا قَلَبَتِ السَّحَرَةُ أَعْيَانَهَا ، فَيَكُونُ الْحِمَارُ إِنْسَانًا وَالْإِنْسَانُ حِمَارًا . فَإِذَا وَضَحَتِ اسْتِحَالَةُ هَذَا الْقَوْلِ بِمَا ذَكَرْنَا ، فَالَّذِي يُؤَثِّرُهُ السِّحْرُ عِنْدَ
الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ أَنْ يُوَسْوِسَ وَيُمْرِضَ وَرُبَّمَا قَتَلَ : لِأَنَّ السِّحْرَ تَخْيِيلٌ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=66يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [ طه : 66 ] ، وَالتَّخْيِيلُ بَدْوُ الْوَسْوَسَةِ ، وَالْوَسْوَسَةُ بَدْوُ الْمَرَضِ ، وَالْمَرَضُ بَدْوُ التَّلَفِ ، فَإِذَا قَوِيَ التَّخْيِيلُ حَدَثَ عَنْهُ الْوَسْوَسَةُ ، وَإِذَا قَوِيَتِ الْوَسْوَسَةُ حَدَثَ عَنْهَا الْمَرَضُ ، وَإِذَا قَوِيَ الْمَرَضُ حَدَثَ عَنْهُ التَّلَفُ ، فَيَكُونُ أَوَّلُ مَبَادِئِهِ التَّخْيِيلَ ثُمَّ الْوَسْوَسَةَ ثُمَّ الْمَرَضَ ثُمَّ التَّلَفَ ، وَهُوَ غَايَتُهُ فَهَذِهِ آثَارُ السِّحْرِ .