الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الفصل الثاني وهو تأثير السحر .

                                                                                                                                            فقد ذهب قوم ممن ضعفت في العلم مخابرهم ، وقلت فيه معرفتهم إلى أن الساحر قد يقلب بسحره الأعيان ، ويحدث به الأجسام ، ويجعل الإنسان حمارا بحسب ما هو عليه من قوة السحر وضعفه ، وهذا واضح الاستحالة من ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أنه لو ثبت على هذا لصار خالقا وهو مخلوق ، ورازقا وهو مرزوق ، وربا وهو مربوب ، وشارك الله تعالى في قدرته وعارضه في حكمته . [ ص: 96 ] والثاني : أنه لو قدر على هذا في غيره لقدر عليه في نفسه ، فيردها إلى الشباب بعد الهرم ، وإلى الوجود بعد العدم ، ويدفع الموت عن نفسه ، فصار من المخلدين وباين جميع المخلوقين . والثالث : أنه يؤدي إلى إبطال جميع الحقائق ، وأن لا يقع فرق بين الحق والباطل ، ولجاز أن تكون جميع الأجسام مما قلبت السحرة أعيانها ، فيكون الحمار إنسانا والإنسان حمارا . فإذا وضحت استحالة هذا القول بما ذكرنا ، فالذي يؤثره السحر عند الشافعي وجماعة الفقهاء أن يوسوس ويمرض وربما قتل : لأن السحر تخييل ، كما قال الله تعالى : يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى [ طه : 66 ] ، والتخييل بدو الوسوسة ، والوسوسة بدو المرض ، والمرض بدو التلف ، فإذا قوي التخييل حدث عنه الوسوسة ، وإذا قويت الوسوسة حدث عنها المرض ، وإذا قوي المرض حدث عنه التلف ، فيكون أول مبادئه التخييل ثم الوسوسة ثم المرض ثم التلف ، وهو غايته فهذه آثار السحر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية