الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو استعان أهل البغي بأهل الحرب على قتال أهل العدل ، قتل أهل الحرب ، وسبوا ، ولا يكون هذا أمانا إلا على الكف ، فأما على قتال أهل العدل " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا استعان أهل البغي على قتالنا بأهل الحرب بأمان أعطوهم ، نظر حال الأمان ، فإنه لا يخلو من أحد أمرين : إما أن يكون مطلقا ، أو مشروطا بقتالنا .

                                                                                                                                            فإن كان مطلقا : صح الأمان لهم ، وكان عقد أهل البغي لهم كعقد أهل العدل : لقول النبي صلى الله عليه وسلم : المسلمون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم . [ ص: 125 ] ويصيرون بهذا الأمان آمنين من أهل البغي وأهل العدل : لعمومه وصحته ، ما لم يقاتلونا . فإن قاتلونا صاروا كأهل العهد المتقدم إذا قاتلوا على ما سنذكره .

                                                                                                                                            وإن كان عقد الأمان لهم مشروطا بقتالهم معهم ، كان هذا الأمان باطلا : لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لما بطل عقد الأمان لهم بقتالنا ، لم يجز أن ينعقد على قتالنا .

                                                                                                                                            والثاني : أن عقد الأمان يقتضي أن نؤمنهم ونأمنهم ، فلم يجز أن نؤمنهم ولا نأمنهم . وإذا بطل الأمان بما ذكرنا سقط حكمه في أهل العدل ، ولزم حكمه في أهل البغي اعتبارا بالشرط في حقهم ، وإن بطل في حق غيرهم . وجاز لأهل العدل قتلهم واسترقاقهم وسبيهم ، وقتلهم مقبلين ومدبرين ، كما يقتلون ويقاتلون في جهادهم مقبلين ومدبرين .

                                                                                                                                            ولم يجز لأهل البغي قتلهم ولا استرقاقهم ، وإن حكمنا ببطلان أمانهم للزومه في الخصوص وإن بطل في العموم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية