الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " فإن قال : يا ابن الزانيين . وكان أبواه حرين مسلمين ميتين فعليه حدان " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وأصل هذه المسألة أن حد القذف من حقوق الآدميين المحضة عندنا .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : هي من حقوق الله المحضة ، وتأثير هذا الخلاف حكمان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه يسقط بالعفو عند الشافعي ، ولا يسقط به عند أبي حنيفة .

                                                                                                                                            والثاني : أنه يورث بالموت عند الشافعي ولا يورث عند أبي حنيفة .

                                                                                                                                            وقد دللنا على أنه من حقوق الآدميين في كتاب اللعان فأغنى عن إعادته .

                                                                                                                                            ولو قذف ميتة استحق ولدها حد قاذفها عند الشافعي وأبي حنيفة . فوافق أبو حنيفة إذا قذفها بعد موتها ، وخالف إذا قذفها في حياتها ثم ماتت ، ووفاقه حجة عليه في موضع خلافه .

                                                                                                                                            وفرق أبو حنيفة بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الميت لا يثبت له حق بعد موته ، فصار الحد حقا لولدها دونها فلم يكن موروثا عنها . وهذا فاسد : لأنه يراعي في وجوب الحد إحصان الأم دون الولد ، ولو كان له لراعينا إحصانه دون الأم ، ولا يمتنع أن يجب لها بعد موتها حد القذف ، كما وجب عليها بعد موتها غرم ما تلف بجنايتها من حفر بئر ووضع حجر .

                                                                                                                                            والثاني : أن حال الأم يقدح في نسب الابن ، فوجب له ابتداء من غير إرث . وهذا خطأ من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لو قذف أبوه بالزنا بغير أمه ، أو قذفت أمه بالزنا بعد ولادته وكبره لم يكن هذا قادحا في نسبه ويملك الحد فيها ، فبطل التعليل بقدح النسب .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لو وجب الحد بهذه العلة لاستحقه في حياة أمه ، وهو لا يستحقه ، فبطل الاعتلال به ، ولم يبق لاستحقاقه علة إلا الميراث .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية