الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " والبيوت المغلقة حرز لما فيها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا نوع سابع من الأحراز ، وهي البيوت والأبنية في الأمصار والقرى ، وينقسم ثلاثة أقسام : حوانيت متاجر ، ودور مساكن ، وبيوت خانات .

                                                                                                                                            فأما القسم الأول : وهو حوانيت المتاجر في الأسواق فلها حالتان :

                                                                                                                                            ليل ونهار ، فأما النهار فأمرها أخف : لانتشار الناس فيها ، فيكون حرزا في نفيس المتاع لما لا يكون حرزا له في الليل ، أو يكون الحانوت فيه محرزا بأحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن يغلق بابه بإقفاله ، وإما أن يكون مفتوحا وفيه صاحبه .

                                                                                                                                            وأما الليل فالإحراز فيه أغلظ ، فتكون حوانيت كل سوق حرزا : لجنس أمتعة تلك [ ص: 288 ] السوق ، فتكون حوانيت سوق الدقيق حرزا للدقيق ، ولا تكون حرزا للصيدلة : لأن أبوابها في العرف أضعف وأغلاقها أسهل . وحوانيت سوق الصيدلة حرزا للصيدلة ، ولا تكون حرزا للعطر : لأن أحراز العطر أغلظ وأصعب وأغلاقها أشد . وحوانيت سوق العطر حرز للعطر ، ولا تكون حرزا للبز : لأن إحراز البز أغلظ ، وحوانيت سوق البز حرز للبز ، ولا تكون حرزا للصيارف في الفضة والذهب : لأن حرز الفضة والذهب أغلظ ، وقل ما أحرز الصيارف الفضة والذهب في حوانيتهم ، إلا مع الغاية في عدل السلطان وأمن الزمان ، فإن انتهى الزمان إلى هذا الحال في عدله وأمنه كانت حوانيتهم حرزا لأموالهم والدراهم والدنانير ، بعد أن يكون بناؤها محكما ، وأبوابها وثيقة وأقفالها صعبة ، ويكون على أسواقهم دروب . وكذلك أسواق البزازين إذا أحرزوا البز في حوانيتهم ، ويكون فيها مع الدروب حراس ، ولا يلزم أن يبيت في الحوانيت أربابها لخروجه عن العرف ، وإن كان الزمان منتشر الفساد قليل الأمن ، لم تكن حوانيت الصيارف والبزازين حرزا لأموالهم من الفضة والذهب والبز حتى ينقلوها في الليل إلى مساكنهم أو خاناتهم ، فهذا حكم الحوانيت .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية