[ ص: 342 ] باب
nindex.php?page=treesubj&link=10270غرم السارق ما سرق
مسألة : قال
الشافعي رحمه الله تعالى : " أغرم السارق ما سرق قطع أو لم يقطع ، وكذلك قاطع الطريق ، والحد لله ، فلا يسقط حد الله غرم ما أتلف للعباد " .
قال
الماوردي :
nindex.php?page=treesubj&link=26166_10192إذا كانت السرقة باقية فإنها ترد على مالكها ، ويقطع سارقها ، وهو إجماع . وإن كانت تالفة فقد اختلف الناس في حكمها على ثلاثة مذاهب :
أحدها : وهو مذهب
الشافعي : أنه يغرمها السارق ويقطع ، سواء تقدم الغرم على القطع أو تأخر عنه ، وسواء كان موسرا أو معسرا .
وبه قال من التابعين
الحسن البصري ،
وإبراهيم النخعي ،
والزهري . ومن الفقهاء
الأوزاعي ،
والليث بن سعد ،
وابن شبرمة ،
وأحمد بن حنبل .
والمذهب الثاني : وهو مذهب
أبي حنيفة : أنه لا يجمع عليه بين الغرم والقطع ، فإن قطع لم يغرم ، وإن أغرم لم يقطع . وربها قبل الغرم والقطع بالخيار بين أن يطالب بالغرم فلا يقطع ، وبين أن يمسك عنه فيقطع . ولو قطع والسرقة باقية ، فأتلفها أجنبي لم يضمنها للسارق : لأنه غير
مالك ، ولا لربها : لأن لا يجمع بين القطع والغرم . وقال : لو سرق حديدا فضربه كوزا فقطع ، لم يرد الكوز : لأنه صار كالعين الأخرى . ولو سرق ثوبا فصبغه أسود ، لم يرده إذا قطع : لأنه صار بالسواد كالمستهلك ، ولو صبغه أحمر رده ، لا يجعله كالمستهلك .
والمذهب الثالث : وهو قول
مالك : أنه إن كان موسرا قطع وأغرم كقولنا ، وإن كان معسرا قطع ولم يغرم إذا أيسر ، كقول
أبي حنيفة . واحتج من منع الجمع بين الغرم والقطع بقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا ، [ المائدة : 138 ] فجعل جزاء سرقته القطع دون الغرم ، وبحديث
عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
إذا قطع السارق فلا غرم عليه .
[ ص: 343 ] ومن القياس : أنه فعل يتعلق به وجوب الحد فلم يتعلق به وجوب المال ، كالزنا بمطاوعة لا يجمع فيه بين الحد والمهر : ولأنه فعل يتعلق به وجوب الغرم والقطع ، فلم يجز أن يجمع بينهما كجناية العمد ، لا يجمع بين القصاص والدية ، ولأن استهلاك المال يمنع من الجمع بين الغرم والقطع كالغصب .
ودليلنا : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما [ المائدة : 38 ] ، فاقتضى الظاهر قطعه وإن أغرم .
وأبو حنيفة يمنع من قطعه إذا أغرم ويجعله مخيرا ، وقد جعله الله تعالى حتما ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38جزاء بما كسبا يعود إلى الفعل دون المال : لأن المال لا يدخل في كسبهما ، ولأن من غصب جارية فزنا بها وجب عليه الحد ، ويردها إن كانت باقية ويرد قيمتها إن كانت تالفة ، فيجمع عليه بين الحد والغرم كذلك في السرقة .
وتحريره قياسا : أن حدود الله تعالى لا توجب سقوط الغرم كالزنا بالجارية المغصوبة ، ولأن كل عين وجب القطع مع ردها وجب القطع مع رد بدلها ، كما لو باعها السارق واستهلك ثمنها قطع مع رد بدل الثمن ، كما يقطع مع رد الثمن ، كذلك في حق الملك . ولأن القطع وجب بإخراجها من الحرز ، والغرم وجب باستهلاكها ، وكل حقين وجبا بسببين مختلفين جاز الجمع بينهما ، كقتل الصيد المملوك يجمع فيه بين الجزاء والقيمة .
فأما الجواب عن الآية : فهو ما استدللنا به منها .
وأما الجواب عن الخبر : فهو أنه ضعيف ، ذكر
الساجي : أنه لم يثبته أحد من أهل النقل ، ولو صح لكان محمولا على أحد وجهين :
أما أنه لا غرم عليه : لأجرة قاطعه : لأنها في بيت المال .
والثاني : أن العقوبات قبل الحدود كانت بالغرامات ، فلما فرضت الحدود سقط الغرم ، فكان قوله :
إذا قطع السارق فلا غرم عليه إشارة إلى الغرم الذي كان حدا .
وأما الجواب عن قياسه على الزنا بالمطاوعة : فهو أنها بذلت نفسها وأسقطت مهرها . وأما الجواب عن قياسه على الجنايات : فهو أنهما وجبا بسبب واحد لمستحق واحد فلم يجتمعا ، والقطع والغرم وجبا بسببين لمستحقين فجاز أن يجتمعا ، كما يجتمع في قتل العبد المملوك القيمة والكفارة . فأما
مالك فمدخول القول : لأن الغرم إن وجب لم يسقط عنه بالإعسار إذا أيسر ، وإن لم يجب لم يستحق عليه بوجود اليسار فلم يكن لقوله وجه ، وبالله التوفيق .
[ ص: 342 ] بَابُ
nindex.php?page=treesubj&link=10270غُرْمِ السَّارِقِ مَا سَرَقَ
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : " أُغَرِّمُ السَّارِقَ مَا سَرَقَ قُطِعَ أَوْ لَمْ يُقْطَعْ ، وَكَذَلِكَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ ، وَالْحَدُّ لِلَّهِ ، فَلَا يُسْقِطُ حَدُّ اللَّهِ غُرْمَ مَا أُتْلِفَ لِلْعِبَادِ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=26166_10192إِذَا كَانَتِ السَّرِقَةُ بَاقِيَةً فَإِنَّهَا تُرَدُّ عَلَى مَالِكِهَا ، وَيُقْطَعُ سَارِقُهَا ، وَهُوَ إِجْمَاعٌ . وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حُكْمِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ :
أَحَدُهَا : وَهُوَ مَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ : أَنَّهُ يَغْرَمُهَا السَّارِقُ وَيُقْطَعُ ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْغُرْمُ عَلَى الْقَطْعِ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا .
وَبِهِ قَالَ مِنَ التَّابِعِينَ
الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ،
وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ ،
وَالزُّهْرِيُّ . وَمِنَ الْفُقَهَاءِ
الْأَوْزَاعِيُّ ،
وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ،
وَابْنُ شُبْرُمَةَ ،
وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ .
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي : وَهُوَ مَذْهَبُ
أَبِي حَنِيفَةَ : أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ عَلَيْهِ بَيْنَ الْغُرْمِ وَالْقَطْعِ ، فَإِنْ قُطِعَ لَمْ يُغَرَّمْ ، وَإِنْ أُغْرِمَ لَمْ يُقْطَعْ . وَرَبُّهَا قَبْلَ الْغُرْمِ وَالْقَطْعِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُطَالِبَ بِالْغُرْمِ فَلَا يُقْطَعُ ، وَبَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ عَنْهُ فَيُقْطَعُ . وَلَوْ قُطِعَ وَالسَّرِقَةُ بَاقِيَةٌ ، فَأَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ لَمْ يَضْمَنْهَا لِلسَّارِقِ : لِأَنَّهُ غَيْرُ
مَالِكٍ ، وَلَا لِرَبِّهَا : لِأَنْ لَا يُجْمَعَ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالْغُرْمِ . وَقَالَ : لَوْ سَرَقَ حَدِيدًا فَضَرَبَهُ كُوزًا فَقُطِعَ ، لَمْ يَرُدَّ الْكُوزَ : لِأَنَّهُ صَارَ كَالْعَيْنِ الْأُخْرَى . وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَسْوَدَ ، لَمْ يَرُدَّهُ إِذَا قُطِعَ : لِأَنَّهُ صَارَ بِالسَّوَادِ كَالْمُسْتَهْلَكِ ، وَلَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ رَدَّهُ ، لَا يَجْعَلُهُ كَالْمُسْتَهْلَكِ .
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ : وَهُوَ قَوْلُ
مَالِكٍ : أَنَّهُ إِنْ كَانَ مُوسِرًا قُطِعَ وَأُغْرِمَ كَقَوْلِنَا ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا قُطِعَ وَلَمْ يُغْرَمْ إِذَا أَيْسَرَ ، كَقَوْلِ
أَبِي حَنِيفَةَ . وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْغُرْمِ وَالْقَطْعِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا ، [ الْمَائِدَةِ : 138 ] فَجُعِلَ جَزَاءَ سَرِقَتِهِ الْقَطْعُ دُونَ الْغُرْمِ ، وَبِحَدِيثِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
إِذَا قُطِعَ السَّارِقُ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ .
[ ص: 343 ] وَمِنَ الْقِيَاسِ : أَنَّهُ فِعْلٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْحَدِّ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ وُجُوبُ الْمَالِ ، كَالزِّنَا بِمُطَاوَعَةٍ لَا يُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ الْحَدِّ وَالْمَهْرِ : وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْغُرْمِ وَالْقَطْعِ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا كَجِنَايَةِ الْعَمْدِ ، لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ ، وَلِأَنَّ اسْتِهْلَاكَ الْمَالِ يَمْنَعُ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْغُرْمِ وَالْقَطْعِ كَالْغَصْبِ .
وَدَلِيلُنَا : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [ الْمَائِدَةِ : 38 ] ، فَاقْتَضَى الظَّاهِرُ قَطْعَهُ وَإِنْ أُغْرِمَ .
وَأَبُو حَنِيفَةَ يَمْنَعُ مِنْ قَطْعِهِ إِذَا أُغْرِمَ وَيَجْعَلُهُ مُخَيَّرًا ، وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَتْمًا ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38جَزَاءً بِمَا كَسَبَا يَعُودُ إِلَى الْفِعْلِ دُونَ الْمَالِ : لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَدْخُلُ فِي كَسْبِهِمَا ، وَلِأَنَّ مَنْ غَصَبَ جَارِيَةً فَزَنَا بِهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، وَيَرُدُّهَا إِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَيَرُدُّ قِيمَتَهَا إِنْ كَانَتْ تَالِفَةً ، فَيُجْمَعُ عَلَيْهِ بَيْنَ الْحَدِّ وَالْغُرْمِ كَذَلِكَ فِي السَّرِقَةِ .
وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا : أَنَّ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُوجِبُ سُقُوطَ الْغُرْمِ كَالزِّنَا بِالْجَارِيَةِ الْمَغْصُوبَةِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ عَيْنٍ وَجَبَ الْقَطْعُ مَعَ رَدِّهَا وَجَبَ الْقَطْعُ مَعَ رَدِّ بَدَلِهَا ، كَمَا لَوْ بَاعَهَا السَّارِقُ وَاسْتَهْلَكَ ثَمَنَهَا قُطِعَ مَعَ رَدِّ بَدَلِ الثَّمَنِ ، كَمَا يُقْطَعُ مَعَ رَدِّ الثَّمَنِ ، كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمِلْكِ . وَلِأَنَّ الْقَطْعَ وَجَبَ بِإِخْرَاجِهَا مِنَ الْحِرْزِ ، وَالْغُرْمُ وَجَبَ بِاسْتِهْلَاكِهَا ، وَكُلُّ حَقَّيْنِ وَجَبَا بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ، كَقَتْلِ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ يُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ الْجَزَاءِ وَالْقِيمَةِ .
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ : فَهُوَ مَا اسْتَدْلَلْنَا بِهِ مِنْهَا .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ : فَهُوَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ ، ذَكَرَ
السَّاجِيُّ : أَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ ، وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ :
أَمَّا أَنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ : لِأُجْرَةِ قَاطِعِهِ : لِأَنَّهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْعُقُوبَاتِ قَبْلَ الْحُدُودِ كَانَتْ بِالْغَرَامَاتِ ، فَلَمَّا فُرِضَتِ الْحُدُودُ سَقَطَ الْغُرْمُ ، فَكَانَ قَوْلُهُ :
إِذَا قُطِعَ السَّارِقُ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ إِشَارَةً إِلَى الْغُرْمِ الَّذِي كَانَ حَدًّا .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الزِّنَا بِالْمُطَاوَعَةِ : فَهُوَ أَنَّهَا بَذَلَتْ نَفْسَهَا وَأَسْقَطَتْ مَهْرَهَا . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْجِنَايَاتِ : فَهُوَ أَنَّهُمَا وَجَبَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ لِمُسْتَحِقٍّ وَاحِدٍ فَلَمْ يَجْتَمِعَا ، وَالْقَطْعُ وَالْغُرْمُ وَجَبَا بِسَبَبَيْنِ لِمُسْتَحِقَّيْنِ فَجَازَ أَنْ يَجْتَمِعَا ، كَمَا يَجْتَمِعُ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الْقِيمَةُ وَالْكَفَّارَةُ . فَأَمَّا
مَالِكٌ فَمَدْخُولُ الْقَوْلِ : لِأَنَّ الْغُرْمَ إِنْ وَجَبَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ بِالْإِعْسَارِ إِذَا أَيْسَرَ ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ لَمْ يُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ بِوُجُودِ الْيَسَارِ فَلَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ وَجْهٌ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .