الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإن قتل المحارب وجرح كان مأخوذا بهما ، فيجمع عليه بين القتل والجرح ، ويكون القتل منحتما . وفي انحتام الجراح قولان : ولا تدخل الجراح في النفس ، سواء انحتم الجرح ، أو لم ينحتم . وقال أبو حنيفة : تدخل الجراح في النفس إذا اجتمعا ، فيقتل ولا يجرح : استدلالا [ ص: 366 ] بقول الله تعالى : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون [ المائدة : 33 ] الآية إلى أن قال : أو ينفوا من الأرض [ المائدة : 33 ] فاقتصر بحدوده على ما تضمنته الآية ، فلم يجز أن يزاد عليها . قال : ولأن الحدود في الحرابة من حقوق الله تعالى المحضة ، وليست قصاصا : لانحتامها . وسقوط الخيار فيها بتداخل الأقل في الأكثر من جنسه ، كمن زنا بكرا ثم زنا ثيبا ، دخل جلده في رجمه . ولأن المقصود بما يستوفى على المحارب من جرح وقطع الزجر والردع ، ومع استحقاق القتل يزول مقصود الردع بغيره ، فسقط . ودليلنا : قول الله تعالى : والجروح قصاص [ المائدة : 45 ] فكان على عمومه في المحارب وغيره . ولأن كل عقوبة وجبت في غير الحرابة ، لم تسقط في الحرابة كالقتل ، ولأنه أحد نوعي القصاص ، فجاز أن يجب في الحرابة كالقتل : ولأنهما نوعا قصاص فجاز الجمع بينهما قياسا على غير الحرابة ، ولأن عقوبات الحرابة أغلظ : لانحتام القتل وزيادة القطع ، فلم يجز أن يسقط فيها ما يجب في غيرها . فأما الجواب عن الآية : فهو أنها تضمنت من العقوبة المظهرة ما تضمنتها من الأسباب المضمرة ، ولم تضمر فيها الجراح ، فلم يظهر فيها حكمه . وأما الجواب عن قولهم : إن حدود الحرابة من حقوق الله تعالى ، فهو أن القتل فيه هو قصاص من حقوق الآدميين ، وإن تعلق به حق الله تعالى كالعدة ، بدليل أن المحارب لو تاب قبل القدرة عليه سقطت عنه حقوق الله تعالى ، ولم يسقط من القتل إلا انحتامه ، وكان موقوفا على خيار الولي في استيفائه ، فلم يسلم الدليل . وقولهم : إنه ردع ، فسقط بالقتل . يبطل بقطع السرقة ، والقتل في غير الحرابة يجمع بينهما ، وإن كان القطع ردعا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية