فصل :
فإذا ثبت جواز دفعه بالقتل وهو متفق عليه ، كانت نفسه هدرا مكلفا كان أو غير مكلف .
[ ص: 452 ] وقال
أبو حنيفة : إن كان
nindex.php?page=treesubj&link=9898آدميا كالبالغ العاقل كانت نفسه هدرا ، حرا كان أو عبدا . وإن كان غير مكلف
nindex.php?page=treesubj&link=9896كالصبي nindex.php?page=treesubj&link=9897والمجنون ، أو كان
nindex.php?page=treesubj&link=9895بهيمة كالفحل الصائل ، كانت نفسه مع إباحة قتله مضمونة بدية الأذى ، وقيمة البهيمة : استدلالا بقول النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923215لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه .
وهذا المال مستهلك على مالكه بغير طيب نفس منه ، فاقتضى أن يكون مضمونا على مستهلكه ، قال : ولأنه استهلك ملك غيره لإحياء نفسه ، فوجب إذا كان بغير إذن مالكه أن يكون ملتزما لضمانه ، كالمضطر إلى طعام غيره ، وهذا أولى بالضمان : لأنه على يقين من إحياء نفسه بأكل الطعام ، وعلى غير يقين من إحياء نفسه بهذا القتل : لجواز أن يندفع عنه بغير قتل ، فلما ضمن ما يتيقن به الحياة كان أولى أن يضمن ما لا يتيقن به الحياة ، قال : ولأن البهيمة لا قصد لها : لأنها لو أتلفت شيئا وليس صاحبها معها كان هدرا : لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924551جرح العجماء جبار فإذا بطل قصدها سقط حكم الصول ، فصار كالقاتل لها بغير صول ، فوجب عليه الضمان .
ودليلنا : قول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم [ التوبة : 91 ] وهذا بالدفع عن نفسه محسن فوجب أن لا يكون عليه سبيل في الغرم ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=41ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل [ الشورى : 41 ] . فإن قيل : لا ينسب إلى غير المكلف ظلم .
قيل : الظلم وضع الشيء في غير موضعه ، فصار الدافع مظلوما ، وإن لم ينسب إلى المدفوع برفع القلم عنه ظلم ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923215لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه فاقتضى ظاهره : أن لا يؤخذ منه غرم ما لم تطب نفسه به .
ومن الاعتبار : أنه إتلاف بدفع مباح ، فوجب أن يسقط فيه الضمان قياسا على قتل البالغ العاقل المكلف .
فإن قيل : المعنى في المكلف : أنه قد أباح قتل نفسه بالطلب ، ولا يصح من غير المكلف إباحة نفسه بالطلب : لأنه لا حكم لقصده .
[ ص: 453 ] قيل : افتراقهما من هذا الوجه لما لم يمنع من استوائهما في إباحة القتل ، لم يمنع من استوائهما في سقوط الضمان . ولأنه قتل مباح بسبب كان من الصول فوجب أن يكون هدرا كالقتل بالردة والزنا ، ولأن ما سقط به ضمان الآدمي سقط به ضمان البهيمة ، قياسا على قتل الصيد إذا صال على محرم لم يضمن بالجزاء ، كذلك البهيمة المملوكة لا تضمن بالقيمة .
فإن قيل : فقتل الصيد في الإحرام مضمون في حق الله تعالى فكان أخف حكما من المضمون في حقوق الآدميين .
قيل : لما لم يمنع هذا من استوائهما في وجوب الضمان إذا اضطر إلى إتلافها لشدة جوعه ، لم يمنع من استوائهما في سقوط الضمان إذا قتلها للدفع عن نفسه ، ولأن حرمة الآدمي أغلظ من حرمة البهيمة : لضمان نفسه بالكفارة والدية ، وانفراد ضمان البهيمة بالقيمة ، فلما سقط بالدفع ضمان الأغلظ كان أولى أن يسقط به ضمان الأخف . فأما الجواب عن قياسهم على أكل المضطر : فمن وجهين :
أحدهما : انتقاضه بالعبد إذا قتله دفاعا عن نفسه : لأنه قد أحيا نفسه بقتل مال غيره ولا يضمنه .
والثاني : أنه لو سلم من هذا النقص لكان لهذا المعنى في الطعام أنه أتلفه لمعنى في نفسه : وهو ضرورة جوعه .
والمعنى في صول الفحل : أنه قتله لمعنى في الفحل وهو مخافة صوله ، فافترقا في المعنى من هذا الوجه ، فوجب افتراقهما في الضمان ، كالعبد إذا قتله للجوع ضمنه ، ولو قتله للدفع لم يضمنه ، وكالصيد إذا قتله المحرم لجوعه ضمنه ، ولو قتله للدفع عن نفسه لم يضمنه .
وأما الجواب عن استدلالهم بأن قصد البهيمة لا حكم له : فمن وجهين :
أحدهما : انتقاضه بصول الصيد على المحرم يسقط به الجزاء ، ولا يسقط عنه لو لم يصل .
والثاني : أنه لما حل قتله بصوله ولم يحل إذا لم يصل دل على سقوط الضمان بصوله إذا لم يصل .
فَصْلٌ :
فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ دَفْعِهِ بِالْقَتْلِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، كَانَتْ نَفْسُهُ هَدَرًا مُكَلَّفًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ .
[ ص: 452 ] وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : إِنْ كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=9898آدَمِيًّا كَالْبَالِغِ الْعَاقِلِ كَانَتْ نَفْسُهُ هَدَرًا ، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا . وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ
nindex.php?page=treesubj&link=9896كَالصَّبِيِّ nindex.php?page=treesubj&link=9897وَالْمَجْنُونِ ، أَوْ كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=9895بَهِيمَةً كَالْفَحْلِ الصَّائِلِ ، كَانَتْ نَفْسُهُ مَعَ إِبَاحَةِ قَتْلِهِ مَضْمُونَةً بِدِيَةِ الْأَذَى ، وَقِيمَةِ الْبَهِيمَةِ : اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923215لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ .
وَهَذَا الْمَالُ مُسْتَهْلَكٌ عَلَى مَالِكِهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَى مُسْتَهْلِكِهِ ، قَالَ : وَلِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَ مِلْكَ غَيْرِهِ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ ، فَوَجَبَ إِذَا كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهِ أَنْ يَكُونَ مُلْتَزِمًا لِضَمَانِهِ ، كَالْمُضْطَرِّ إِلَى طَعَامِ غَيْرِهِ ، وَهَذَا أَوْلَى بِالضَّمَانِ : لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ إِحْيَاءِ نَفْسِهِ بِأَكْلِ الطَّعَامِ ، وَعَلَى غَيْرِ يَقِينٍ مِنْ إِحْيَاءِ نَفْسِهِ بِهَذَا الْقَتْلِ : لِجَوَازِ أَنْ يَنْدَفِعَ عَنْهُ بِغَيْرِ قَتْلٍ ، فَلَمَّا ضَمِنَ مَا يَتَيَقَّنُ بِهِ الْحَيَاةَ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَضْمَنَ مَا لَا يَتَيَقَّنُ بِهِ الْحَيَاةَ ، قَالَ : وَلِأَنَّ الْبَهِيمَةَ لَا قَصْدَ لَهَا : لِأَنَّهَا لَوْ أَتْلَفَتْ شَيْئًا وَلَيْسَ صَاحِبُهَا مَعَهَا كَانَ هَدَرًا : لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924551جَرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ فَإِذَا بَطَلَ قَصْدُهَا سَقَطَ حُكْمُ الصَّوْلِ ، فَصَارَ كَالْقَاتِلِ لَهَا بِغَيْرِ صَوْلٍ ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ .
وَدَلِيلُنَا : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ التَّوْبَةِ : 91 ] وَهَذَا بِالدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ مُحْسِنٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ سَبِيلٌ فِي الْغُرْمِ ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=41وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ [ الشُّورَى : 41 ] . فَإِنْ قِيلَ : لَا يُنْسَبُ إِلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ ظُلْمٌ .
قِيلَ : الظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، فَصَارَ الدَّافِعُ مَظْلُومًا ، وَإِنْ لَمْ يُنْسَبْ إِلَى الْمَدْفُوعِ بِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ ظُلِمَ ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923215لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ فَاقْتَضَى ظَاهِرُهُ : أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُ غُرْمٌ مَا لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ بِهِ .
وَمِنَ الِاعْتِبَارِ : أَنَّهُ إِتْلَافٌ بِدَفْعٍ مُبَاحٍ ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ فِيهِ الضَّمَانُ قِيَاسًا عَلَى قَتْلِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْمُكَلَّفِ .
فَإِنْ قِيلَ : الْمَعْنَى فِي الْمُكَلَّفِ : أَنَّهُ قَدْ أَبَاحَ قَتْلَ نَفْسِهِ بِالطَّلَبِ ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ إِبَاحَةُ نَفْسِهِ بِالطَّلَبِ : لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِقَصْدِهِ .
[ ص: 453 ] قِيلَ : افْتِرَاقُهُمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ مِنَ اسْتِوَائِهِمَا فِي إِبَاحَةِ الْقَتْلِ ، لَمْ يَمْنَعْ مِنَ اسْتِوَائِهِمَا فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ . وَلِأَنَّهُ قَتْلٌ مُبَاحٌ بِسَبَبٍ كَانَ مِنَ الصَّوْلِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَدْرًا كَالْقَتْلِ بِالرِّدَّةِ وَالزِّنَا ، وَلِأَنَّ مَا سَقَطَ بِهِ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ سَقَطَ بِهِ ضَمَانُ الْبَهِيمَةِ ، قِيَاسًا عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ إِذَا صَالَ عَلَى مُحْرِمٍ لَمْ يُضْمَنْ بِالْجَزَاءِ ، كَذَلِكَ الْبَهِيمَةُ الْمَمْلُوكَةُ لَا تُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَقَتْلُ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ مَضْمُونٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ أَخَفَّ حُكْمًا مِنَ الْمَضْمُونِ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ .
قِيلَ : لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ هَذَا مِنَ اسْتِوَائِهِمَا فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ إِذَا اضْطُرَّ إِلَى إِتْلَافِهَا لِشِدَّةِ جُوعِهِ ، لَمْ يَمْنَعْ مِنَ اسْتِوَائِهِمَا فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ إِذَا قَتَلَهَا لِلدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الْآدَمِيِّ أَغْلَظُ مِنْ حُرْمَةِ الْبَهِيمَةِ : لِضَمَانِ نَفْسِهِ بِالْكَفَّارَةِ وَالدِّيَةِ ، وَانْفِرَادِ ضَمَانِ الْبَهِيمَةِ بِالْقِيمَةِ ، فَلَمَّا سَقَطَ بِالدَّفْعِ ضَمَانُ الْأَغْلَظِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ بِهِ ضَمَانُ الْأَخَفِّ . فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى أَكْلِ الْمُضْطَرِّ : فَمِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : انْتِقَاضُهُ بِالْعَبْدِ إِذَا قَتَلَهُ دِفَاعًا عَنْ نَفْسِهِ : لِأَنَّهُ قَدْ أَحْيَا نَفْسَهُ بِقَتْلِ مَالِ غَيْرِهِ وَلَا يَضْمَنُهُ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَوْ سَلِمَ مِنْ هَذَا النَّقْصِ لَكَانَ لِهَذَا الْمَعْنَى فِي الطَّعَامِ أَنَّهُ أَتْلَفَهُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ : وَهُوَ ضَرُورَةُ جُوعِهِ .
وَالْمَعْنَى فِي صَوْلِ الْفَحْلِ : أَنَّهُ قَتَلَهُ لِمَعْنًى فِي الْفَحْلِ وَهُوَ مَخَافَةُ صَوْلِهِ ، فَافْتَرَقَا فِي الْمَعْنَى مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، فَوَجَبَ افْتِرَاقُهُمَا فِي الضَّمَانِ ، كَالْعَبْدِ إِذَا قَتَلَهُ لِلْجُوعِ ضَمِنَهُ ، وَلَوْ قَتَلَهُ لِلدَّفْعِ لَمْ يَضْمَنْهُ ، وَكَالصَّيْدِ إِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ لِجُوعِهِ ضَمِنَهُ ، وَلَوْ قَتَلَهُ لِلدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ قَصْدَ الْبَهِيمَةِ لَا حُكْمَ لَهُ : فَمِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : انْتِقَاضُهُ بِصَوْلِ الصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ يَسْقُطُ بِهِ الْجَزَاءُ ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ لَوْ لَمْ يَصُلْ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَمَّا حَلَّ قَتْلُهُ بِصَوْلِهِ وَلَمْ يَحِلَّ إِذَا لَمْ يَصُلْ دَلَّ عَلَى سُقُوطِ الضَّمَانِ بِصَوْلِهِ إِذَا لَمْ يَصُلْ .