الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن غصب أرضا ، فحفر فيها بئرا ووضع ترابها في أرض مالكها : لم يملك طمها إذا أبرأه المالك من ضمان ما يتلف بها في أحد الوجهين ) . إذا حفر بئرا ، أو شق نهرا ونحوه في أرض غصبها . فطالبه المالك بطمها : لزمه ذلك إن كان لغرض . قاله الحارثي . وإن أراد الغاصب طمها ابتداء ، فلا يخلو : إما أن يكون لغرض صحيح ، أو لا . فإن كان لغرض صحيح كإسقاط ضمان ما يقع فيها . أو يكون قد نقل ترابها إلى ملكه ، أو ملك غيره ، أو إلى طريق يحتاج إلى تفريغه فله طمها من غير إذن ربها . على الصحيح من المذهب . وهو ظاهر كلام المصنف هنا . وجزم به في المغني ، والشرح ، والمحرر . واختاره القاضي . وقدمه في الفروع ، والحارثي ، والخلاصة . وقيل : لا يملك طمها إلا بإذنه . وهو ظاهر ما قدمه في المستوعب ، والتلخيص . على ما يأتي من كلامهما . وإن لم يكن له غرض صحيح في ذلك وهي مسألة المصنف . مثل : أن يكون قد وضع التراب في أرض مالكها ، أو في موات ، أو أبرأه من ضمان ما يتلف بها قال المصنف ، والشارح : أو منعه منه . فهل يملك طمها ؟ فيه وجهان . [ ص: 149 ] وأطلقهما في المغني ، والشرح ، والمحرر ، والفروع ، والحارثي .

أحدهما : لا يملك طمها . وهو الصحيح . نصره المصنف ، والشارح . وصححه في التصحيح . واختاره أبو الخطاب .

والوجه الثاني : يملكه . اختاره القاضي . قال في المستوعب ، والتلخيص : وإن غصب دارا فحفر فيها بئرا ، ثم استردها مالكها ، فأراد الغاصب طم البئر : لم يكن له ذلك . وقال القاضي : له ذلك من غير رضى المالك . وقال أبو الخطاب في الهداية : ليس له ذلك إذا أبرأه المالك من ضمان ما يتلف فيها . انتهيا . وأطلقهن في المذهب قال في التلخيص : وأصل اختلاف القاضي ، وأبي الخطاب : هل الرضى الطارئ كالمقارن للحفر ، أم لا ؟ والصحيح : أنه كالمقارن . انتهى . وقال في الرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفائق : وإن حفر فيها بئرا أو نحوها . فله طمها مطلقا . وإن سخط ربها ، فأوجه : النفي ، والإثبات .

والثالث : إن أبرأه من ضمان ما يتلف بها ، وصح في وجه : فلا . زاد في الرعاية الكبرى وجها رابعا : وهو إن كان غرضه فيه صحيحا كدفع ضرر ، وخطر ونحوهما وإلا فلا .

وخامسا : وهو إن ترك ترابها في أرض غير ربها : فلا . وقيل : بلى ، مع غرض صحيح . انتهى . وتقدم ذلك والصحيح منه .

تنبيهان

أحدهما : في القول المحكي عن القاضي . قال الحارثي : إذا كان مأخوذا من غير كتاب المجرد : فنعم . وإن كان من المجرد : فكلامه فيه موافق لأبي الخطاب . فإنه قال وذكر كلامه . [ ص: 150 ] قلت : الناقل عن القاضي تلميذه أبو الخطاب في الهداية . وهو أعلم بكلامه من غيره . وللقاضي في مسائل كثيرة القولان والثلاثة . وكتبه كثيرة .

الثاني : ظاهر كلام أبي الخطاب وجماعة : أنه إذا أبرأه المالك من ضمان ما يتلف بها : أنه يصح ، ويبرأ . وهو أحد الوجهين . اختاره المصنف ، والشارح ، وابن عقيل ، والقاضي في المجرد . قاله الحارثي لما ذكر كلامه المتقدم .

والوجه الثاني : أنه لا يبرأ . وتقدم قريبا كلامه في الرعايتين في ذلك . وأطلقهما في المحرر . قال الحارثي : وحاصل المسألة الأولى : الخلاف في صحة الإبراء . وفيه وجهان .

التالي السابق


الخدمات العلمية