الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن أدركها ربها ، والزرع قائم : خير بين تركه إلى الحصاد بأجرته ، وبين أخذه بعوضه ) . هذا الصحيح من المذهب . نص عليه . قال الحارثي : تواتر النص عن الإمام أحمد رحمه الله : أن الزرع للمالك . وعليه جماهير الأصحاب . وجزم به في الوجيز ، وغيره . وقدمه في الفروع ، وغيره . قال الزركشي : هو قول القاضي ، وعامة أصحابه ، والشيخين . انتهى . قال الحارثي : هو قول القاضي ، وجمهور أصحابه ، ومن تلاهم ، والمصنف في سائر كتبه . وهو من مفردات المذهب قال ناظمها : بالاحترام احكم لزرع الغاصب وليس كالباني أو كالناصب     إن شاء رب الأرض ترك الزرع
بأجرة المثل فوجه مرعي     أو ملكه إن شاء بالإنفاق
أو قيمة للزرع بالوفاق ويحتمل أن يكون الزرع للغاصب ، وعليه الأجرة . وهذا الاحتمال لأبي الخطاب وقيل : له قلعه إن ضمنه . واختار ابن عقيل ، وغيره : إن الزرع لرب الأرض كالولد . فإنه لسيد الأم ، لكن المني ، لا قيمة له ، بخلاف البذر . ذكره الشيخ تقي الدين رحمه الله . [ ص: 132 ] قال الزركشي : وهذا القول ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله في عامة نصوصه ، والخرقي ، والشيرازي ، وابن أبي موسى فيما أظن وعليه اعتمد الإمام أحمد . وكذا قال الحارثي : ظاهر كلام من تقدم من الأصحاب كالخرقي ، وأبي بكر وابن أبي موسى عدم التخيير . فإن كلا منهم قال : الزرع لمالك الأرض ، وعليه النفقة . وهذا بعينه : هو المتواتر عن الإمام أحمد رحمه الله . ولم يذكر أحد عنه تخييرا . وهو الصواب . وعلله . انتهى . وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله : فيمن زرع بلا إذن شريكه والعادة بأن من زرع فيها له نصيب معلوم ، ولربها نصيب : قسم ما زرعه في نصيب شريكه كذلك . قال : ولو طلب أحدهما من الآخر أن يزرع معه أو يهايئه فيها فأبى . فللأول الزرع في قدر حقه بلا أجرة ، كدار بينهما فيها بيتان سكن أحدهما عند امتناعه مما يلزمه . انتهى . قلت : وهذا الصواب . ولا يسع الناس غيره .

قوله ( وهل ذلك قيمته ، أو نفقته ؟ على وجهين ) . وهما وجهان في نسخة مقروءة على المصنف . وفي نسخة روايتان ، وعليها شرح الشارح ، وابن منجا . قال الحارثي : حكاهما متأخرو الأصحاب والمصنف في كتابه الكبير روايتين . وأوردهما هنا وجهين . قال : والصواب أنهما روايتان . قال هو والشارح : والمنقول عن الإمام أحمد في ذلك روايتان . وأطلقهما في الهداية ، وتذكرة ابن عقيل ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والمغني ، والكافي ، والهادي ، والتلخيص ، والبلغة ، والشرح ، والزركشي .

إحداهما : يأخذه بنفقته . وهي ما أنفق من البذر ومؤنة الزرع ، من الحرث [ ص: 133 ] والسقي وغيرهما . وهو المذهب ، وهو ظاهر كلام الخرقي ، والشيرازي . واختاره القاضي في رءوس المسائل ، وابن عقيل . قال الحارثي : وهو المذهب . وعليه متقدمو الأصحاب كالخرقي ، وأبي بكر ثم ابن أبي موسى ، والقاضي في كتابي المجرد ورءوس المسائل ، وابن عقيل . لصريح الأخبار المتقدمة فيه . انتهى . وصححه في التصحيح . وجزم به في الطريق الأقرب ، والوجيز . وقدمه في الخلاصة ، والفروع ، والفائق .

والرواية الثانية : يأخذه بقيمته زرعا الآن . صححه القاضي في التعليق . وجزم به في العمدة والمنور ، ومنتخب الأزجي وقدمه في المحرر ، والنظم ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، وتجريد العناية ، وإدراك الغاية . واختاره ابن عبدوس في تذكرته . قلت : والنفس تميل إليه . قال ابن الزاغوني : أصلهما هل يضمن ولد المغرور بمثله ، أو قيمته ؟ عنه رواية ثالثة : يأخذه بأيهما شاء . نقلها مهنا . قاله في الفروع . قال الحارثي : وحكى القاضي حسين في كتاب التمام عن أخيه أبي القاسم رواية بالتخيير . وهو الظاهر من إيراد القاضي يعقوب في التعليق . وذكر نص مهنا . وقال في الفائق : وخرج أبو القاسم بن القاضي رواية بالخيرة . فكأنه ما اطلع على كلام الحارثي . أو أن لأبي القاسم تخريج رواية . ثم اطلع ، فوافق التخريج لها . فعلى الرواية الثانية ، واحتمال أبي الخطاب : لرب الأرض أجرتها إلى حين تسليم الزرع . على الصحيح من المذهب . جزم به في المغني ، والشرح والحارثي وغيرهم . وقدمه في الفروع . وذكر أبو يعلى الصغير : أنه لا أجرة له . ونقله إبراهيم بن الحارث . وعلى المذهب أعني إذا أوجبنا رد النفقة فقال في المغني ، والشرح : يرد [ ص: 134 ] مثل البذر . وبه قال ابن الزاغوني . لأن البذر مثلي ونصره الحارثي . وقال القاضي في المجرد : يجب ثمن البذر .

تنبيه : قال الحارثي : عبر المصنف بالنفقة عن عوض الزرع . وكذلك عبر أبو الخطاب ، والسامري ، وصاحب التلخيص ، وغيرهم . وليس بالجيد . لوجهين .

أحدهما : أن المعاوضة تستلزم ملك المعوض . ودخول الزرع في ملك الغاصب باطل بالنص . كما تقدم . فبطل كونها عوضا عنه .

الثاني : الأصل في المعاوضة : تفاوتهما وتباعدهما . فدل على انتفاء المعاوضة . والصواب : أنها عوض البذر ولواحقه . انتهى .

فائدة : يزكيه رب الأرض ، إن أخذه قبل وجوب الزكاة . وإن أخذه بعد الوجوب : ففي وجوب الزكاة عليه وجهان . وأطلقهما في الفروع ، والقواعد الفقهية . قلت : الصحيح أنه لا يزكيه ، بل تجب الزكاة على الغاصب . لأنه ملكه إلى حين أخذه . على الصحيح ، كما تقدم . وعلى مقتضى النصوص واختيار الخرقي ، وأبي بكر ، وابن أبي موسى ، والحارثي ، وغيرهم : يزكيه رب الأرض . لأنهم حكموا أن الزرع من أصله لرب الأرض . وعلى هذا يكون هذا المذهب .

التالي السابق


الخدمات العلمية