الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن ترك الطلب لكون المشتري غيره . فتبين أنه هو : فهو على شفعته ) . وهذا المذهب . جزم به في المغني ، والشرح ، وشرح الحارثي ، وابن منجا ، والتلخيص ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفائق ، وتذكرة ابن عبدوس ، وغيرهم . وفيه وجه آخر : أنها تسقط . وأطلقهما في الفروع . قوله ( وإن أخبره من يقبل خبره ، فلم يصدقه : سقطت شفعته ) إذا أخبره عدل واحد فلم يصدقه : سقطت شفعته . على الصحيح من المذهب . جزم به في الهداية ، والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب ، والخلاصة ، والوجيز والمنور ، وغيرهم . وقدمه في المغني ، والشرح ، والتلخيص ، والرعايتين ، والفائق ، والحاوي الصغير ، وغيرهم . واختاره ابن عبدوس في تذكرته . وقيل : لا تسقط . وهو وجه ذكره الآمدي ، والمجد . وصححه الناظم . وهما احتمالان لابن عقيل ، والقاضي . قال في التلخيص : بناء على اختلاف الروايتين في الجرح والتعديل والرسالة : هل يقبل منها خبر الواحد أم يحتاج إلى اثنين ؟ . قلت : الصحيح من المذهب : أنه لا بد فيها من اثنين ، على ما يأتي في باب طريق الحكم وصفته في كلام المصنف . والذي يظهر : أنهما ليسا مبنيان عليهما . لأن الصحيح هنا غير الصحيح هناك وأطلقهما في المحرر ، والفروع . [ ص: 269 ]

تنبيهان : أحدهما : المرأة كالرجل ، والعبد كالحر ، على الصحيح من المذهب . وعليه أكثر الأصحاب . وقال القاضي : هما كالفاسق . وقدمه في الفائق . قال الحارثي : وإلحاق العبد بالمرأة والصبي غلط . لكونه من أهل الشهادة بغير خلاف في المذهب . انتهى . وإن أخبر مستور الحال سقطت . قدمه في الفائق . وقيل : لا تسقط . وأطلقهما في الفروع . وإن أخبره فاسق أو صبي : لم تسقط شفعته . إذا علمت ذلك : فإذا ترك تكذيبا للعدل أو العدلين على ما مر : بطلت شفعته . قال الحارثي : هذا ما أطلق المصنف هنا . وجمهور الأصحاب . قال : ويتجه التقييد بما إذا كانت العدالة معلومة أو ظاهرة لا تخفى على مثله . أما إن جهل ، أو كانت بمحل الخفاء أو التردد : فالشفعة باقية لقيام العذر . هذا كله إذا لم يبلغ الخبر حد التواتر . أما إن بلغ : فتبطل الشفعة بالترك ولا بد . وإن كانوا فسقة ، على ما لا يخفى . انتهى .

التنبيه الثاني : محل ما تقدم : إذا لم يصدقه . أما إن صدقه ، ولم يطالب بها : فإنها تسقط . سواء كان المخبر ممن لا يقبل خبره أو يقبل . لأن العلم قد يحصل بخبر من لا يقبل خبره لقرائن . قطع به المصنف والشارح وغيرهما . قوله ( أو قال للمشتري : بعني ما اشتريت ، أو صالحني : سقطت شفعته ) . إذا قال للمشتري : بعني ما اشتريت ، أو هبه لي ، أو ائتمني عليه : سقطت [ ص: 270 ] شفعته . على الصحيح من المذهب . وقطع به الأصحاب . منهم صاحب الهداية ، والمذهب ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والمغني ، والشرح ، والنظم ، والوجيز ، وغيرهم ، والحارثي . وقال : يقوى عندي انتفاء السقوط ، كقول أشهب صاحب الإمام مالك رحمهما الله . وإن قال : صالحني عليه ، سقطت شفعته أيضا ، على الصحيح من المذهب . قطع به في الهداية ، والمذهب ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والوجيز ، وغيرهم . وقدمه في المغني ، والشرح . ونصراه هنا . وجزم به في الشرح في باب الصلح . وكذا جزم به هناك صاحب التلخيص وغيره . قال في الرعايتين ، والحاويين : تسقط الشفعة في أصح الوجهين . وقيل : لا تسقط . اختاره القاضي ، وابن عقيل . قاله الحارثي . وأطلقهما في المحرر ، والفروع ، والفائق هناك . وأطلقهما في النظم أيضا . وتقدم ذلك في باب الصلح .

تنبيه : محل الخلاف : في سقوط الشفعة ، وهو واضح . أما الصلح عنها بعوض : فلا يصح . قولا واحدا . قاله الأصحاب . وجزم به المصنف ، وغيره في باب الصلح .

فائدة : لو قال : بعه ممن شئت ، أو وله إياه ، أو هبه له ، ونحو هذا : بطلت الشفعة . وكذا لو قال : أكرني ، أو ساقني ، أو اكترى منه أو ساقاه . وإن قال : إن باعني ، وإلا فلي الشفعة . فهو كما لو قال : بعني . قدمه الحارثي وقال : ويحتمل أنه إن لم يبعه : أنها لا تسقط . ولو قال له المشتري : بعتك ، أو وليتك . فقبل : سقطت . [ ص: 271 ] قوله ( وإن دل في البيع أو توكل لأحد المتبايعين . فهو على شفعته ) وإن دل على البيع أي : صار دلالا . وهو السفير في البيع . فهو على شفعته قولا واحدا ، وإن توكل لأحد المتبايعين فهو على شفعته أيضا . على الصحيح من المذهب . جزم به في الهداية ، والمذهب ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والمحرر ، والوجيز ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفائق ، وغيرهم . واختاره الشريف ، وغيره . قال الحارثي : قال الأصحاب : لا تبطل شفعته . منهم : القاضي في المجرد وغيره قال في الفروع : لا تسقط بتوكيله في الأصح . وقدمه في المغني ، والشرح . ونصراه . وقيل : تسقط الشفعة بذلك . وقيل : لا تسقط إذا كان وكيلا للبائع . وقيل : لا تسقط إذا كان وكيلا للمشتري . اختاره القاضي . قاله المصنف . قال الحارثي : وحكاية القاضي يعقوب : عدم السقوط . وكذا هو في المجرد وغيره . وهذا وأمثاله غريب من الحارثي . فإنه إذا لم يطلع على المكان الذي نقل منه المصنف : تكلم في ذلك ، واعترض على المصنف . وهذا غير لائق . فإن المصنف ثقة ، والقاضي وغيره له أقوال كثيرة في كتبه . وقد تكون في غير أماكنها وقد تقدم له نظير ذلك في مسائل . قال الحارثي : ومن الأصحاب من قال في صورة البيع : ينبني على اختلاف الرواية في الشراء من نفسه . إن قلنا : لا . فلا شفعة . وإن قلنا نعم . فنعم .

التالي السابق


الخدمات العلمية