الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
504 - " إذا أوى أحدكم إلى فراشه؛ فلينفضه بداخلة إزاره؛ فإنه لا يدري ما خلفه عليه؛ ثم ليضطجع على شقه الأيمن؛ ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي؛ وبك أرفعه؛ إن أمسكت نفسي فارحمها؛ وإن أرسلتها فاحفظها؛ بما تحفظ به عبادك الصالحين " ؛ (ق د) ؛ عن أبي هريرة .

التالي السابق


(إذا أوى) ؛ بقصر الهمزة؛ على الأفصح؛ قال الزين زكريا؛ كغيره: إن كان " أوى" ؛ لازما؛ كما هنا؛ فالقصر أفصح؛ وإن كان متعديا كما في " الحمد لله الذي آوانا" ؛ فالمد أفصح؛ عكس ما وقع لبعضهم؛ انتهى؛ (أحدكم إلى فراشه) ؛ أي: انضم إليه؛ ودخل فيه لينام؛ كما تفسره الرواية الأخرى الواردة بهذا اللفظ؛ وقال القاضي: " أوى إلى فراشه" ؛ انقلب إليه ليستريح؛ (فلينفضه) ؛ بضم الفاء؛ قبل أن يدخل فيه؛ ندبا؛ وإرشادا؛ (بداخلة) ؛ بتاء التأنيث؛ على ما في نسخ هذا الكتاب؛ كأصله؛ لكن في كثير من الأصول بدونها؛ (إزاره) ؛ أي: أحد جانبيه؛ الذي يلي البدن؛ خص النفض بالإزار؛ لا لأنه لا يكون إلا به؛ لأن العرب لا تترك الائتزار؛ فهو به أولى؛ لملازمته للرجل؛ فمن لا إزار له ينفض بما حضر؛ وأمره بداخلة الإزار؛ دون خارجته؛ لا لأنه أبلغ وأجدى؛ وإنما ذلك على جهة الخبر عن فعل الفاعل؛ لأن المؤتزر إذا ائتزر يأخذ أحد طرفي إزاره بيمينه؛ على ما يلي جسده؛ والآخر بشماله؛ فيرد ما أمسكه بشماله على بدنه؛ وذلك داخلة الإزار؛ ويرد ما أمسك بيمينه على ما يلي جسده من الإزار؛ فإذا صار إلى فراشه فحل بيمينه خارجة الإزار؛ وتبقى الداخلة معلقة؛ وبها يقع النفض؛ فإن قيل: فلم لا يقدر الأمر فيه بالعكس؟ قلنا: لأن تلك الهيئة صنع ذوي الآداب في عقد الإزار؛ ذكره الزمخشري ؛ واختصره القاضي؛ [ ص: 309 ] فقال: داخلة الإزار هي الحاشية التي تلي الجسد؛ وتماسه؛ وإنما أمرنا بالنفض بها؛ لأن المتحول إلى فراشه يحل بيمينه خارجة إزاره؛ وتبقى الداخلة معلقة فينفض بها؛ وروي: " بصنفة إزاره" ؛ بكسر النون؛ وهو جانبه الذي لا هدب له؛ وهو موافق لما ذكر؛ (فإنه لا) ؛ وفي رواية: " ما" ؛ (يدري ما خلفه) ؛ بالتشديد؛ وبالتخفيف؛ قال الزمخشري : " ما" ؛ مبتدأ؛ و" يدري" ؛ معلق عنه؛ لتضمنه معنى الاستفهام؛ (عليه) ؛ أي: على الفراش؛ يعني: لا يدري ما حصل في فراشه بعد خروجه منه؛ إلى عوده من قذر؛ وهوام؛ مؤذية؛ (ثم ليضطجع) ؛ ندبا؛ و (على شقه الأيمن) ؛ أولى؛ (ثم ليقل) ؛ ندبا؛ (باسمك ربي وضعت جنبي؛ وبك أرفعه) ؛ أي: بك أستعين على وضع جنبي ورفعه؛ فالباء للاستعانة؛ وقد استدل جمع متأخرون به على أن متعلق البسملة يقدر فعلا مؤخرا مناسبا؛ لما جعلت التسمية مبتدأ؛ كما جنح إليه الكشاف؛ وفيه إشعار بأنه لا يقول: إن شاء الله؛ إذ لو شرعت المشيئة هنا لذكرها؛ فالاقتصار على الوارد أولى؛ ذكره السبكي؛ (إن أمسكت نفسي) ؛ أي: قبضت روحي في نومي؛ (فارحمها) ؛ وفي رواية البخاري : فاغفر لها؛ (وإن أرسلتها) ؛ أي: رددت الحياة لي؛ وأيقظتني من النوم؛ (فاحفظها) ؛ إشارة إلى آية: الله يتوفى الأنفس حين موتها ؛ (بما) ؛ أي: بالذي؛ (تحفظ به عبادك الصالحين) ؛ أي: القائمين بحقوقك؛ وذكر المغفرة للميت؛ والحفظ عند الإرسال؛ لمناسبته له؛ والتاء في " بما تحفظ" ؛ مثلها في " كتبت بالقلم" ؛ و" ما" ؛ موصولة مبهمة؛ وبيانها ما دل عليه صلتها؛ لأنه (تعالى) إنما يحفظ عباده الصالحين من المعاصي؛ وألا يهنوا في طاعته بتوفيقه؛ وفيه ندب هذه الأذكار عند الأوي إلى الفراش؛ ليكون نومه على ذكر؛ وتختم يقظته بعبادة.

(ق د) ؛ في الأدب؛ (عن أبي هريرة ) ؛ ولفظ رواية مسلم عنه: " إذا أوى أحدكم إلى فراشه؛ فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه؛ وليسم الله؛ فإنه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه؛ فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه الأيمن؛ وليقل: سبحانك اللهم ربي؛ وبحمدك..." ؛ إلى آخره.



الخدمات العلمية